يعبق نفس الحرية في الاعلام العراقي فيفسح للمتلقي لوحة فنية وبجميع
الوان الطيف، تلك اللوحة لم تكن اطلاقا يحلم ان يراها احد قبل التاسع
من نيسان من عام الفين وثلاثة.. خطوة نحو الافضل ومسير في الاتجاه
الصحيح بكل تأكيد.
فالصحافة تكتب ما يحلو لها وتعزف على وترها التي تريد، بعيدا عن عن
اعين الرقيب.. وقد ساهمت السلطة الرابعة في تشكيل ظهير حصين لجماعات
الضغط فاثمرت في اكثر من مرة جهودها المشكورة.. مرة في قانون (137)
فيما يخص حقوق المراة، ومرة في حكاية استبدال العلم العراقي، حيث انها
نجحت في عدم تمرير العلم الجديد، ولعلها في المستقبل تؤدي اكثر من ذلك
بكثير.
لكن تلك الجوانب المضيئة في الصحافة لا تعني غياب الطبائع
الاستبدادية في رقابة الصحافة ذاتها، حيث ان السواد الاعظم من
المطبوعات في العراق لا تراهن على تعددية الآراء ولا يهمها ان تنشر
الرأي والرأي الآخر، بل اغلبها ان لم يكن جميعها يتنفس برئة واحدة
وينشد لونا واحدا وله افق واحد، حتى تلك الصحف المستقلة ايضا تعاني
الاشكالية ذاتها، ولكن بما ان التوجهات متعددة وكثيرة فالصحافة سوف
تكون في النتيجة متعددة وبالتالي توفر للكاتب فرصة اللعب على تناقضات
الصحافة، هذا وان كان بحد ذاته شئ جيد الا ان ما نصبوا ونطمح اليه ان
تحمل كل صحيفة هواجس العتددية والاختلاف وتنتصر على كبريائها العبثي
فتفسح المجال لمختلف التوجهات، أن ذلك حقا يساهم في خلق اجواء حرّة
متنوعة تساهم في تنضيج البعد المعرفي والثقافي والوعي السياسي في
العراق.
وبشكل عام يمكن القول ان السلطة الرابعة ولحد هذه اللحظة لم ترتق في
الساحة العراقية الى مستوى الطموح، مع تثمين جميع ما تتمتع به من
مساحات كبيرة وقد تكون مفرطة احيانا من الحرية، فهذه المرة الصحافة
نفسها هي المسؤولة عن هذه الاشكالية وليست رقابة الدولة كما هو الملحوظ
وهذه من المفارقات النادر جدا حصولها في بلدان العالم الثالث وخصوصا
البلدان العربية بالذات، بمعنى ان الصحافة هذه المرة قد مارست الغطرسة
بنفسها ضد نفسها ولهذا فهي اول المخاطبين بحلّ اشكالية من هذا النوع.
علما ان تلك الازمة التي تعيشها الصحافة والاعلام العراقي بشكل عام
قد تكون مشروعة ومتوقعة نتيجة للفترة القصيرة التي مضت على الصحافة
العراقية وهي تجر شهيق الحرية والانفتاح ومن المتوقع تنضيج العمل
الاعلامي مستقبلا في العراق الا ان ذلك لا يعني عدم تصعيد سقف
المطالبات التي تنشد اعادة النظر في معظم الخطوط الحمراء التي وضعتها
لنفسها الصحافة.
واخيرا لا نختم بافضل من كلمة ونستون تشرشل الشهيرة:
(اننا مستعدون ان نتخلى عن مستعمراتنا في البحار ولسنا مستعدين
للتخلي عن صحيفة التايمز).
كاتب عراقي
Mosawi_gamal@hotmail.com |