كلما حاولت أن أكتب مقالا خارج إطار حياتي أجد نفسي تفرض واقعها
على قلمي وكلماتي.. بصورة لا إرادية.... وقد أجهد نفسي أحيانا دون
جدوى... فمغزى ما اكتبه لا يخرج عن المحيط المضطرب الذي فوق الطبيعي
خصوصا إنني اتهم نفسي أحيانا بالأنانية وحب الذات.. وبين هذين
التفسيرين أجد اختلاجا يتفاقم في صدري لم يعرف الهوادة من أول ما
سطرته من كلمات ركيكة كانت أو محكمة.
ولكن كما ذكرت أجد محيطي هو من يضعني في الصورة دائما، ففي يوم
الخميس المنصرم عندما كنت أقوم باستطلاع للشبكة عن ردود أفعال
المواطنين للتحضيرات الجارية للانتخابات في أحد شوارع بغداد الرئيسية
وهو شارع السعدون في ساعة الذروة كما نسميها لشدة الازدحام في تلك
المنطقة وعند الساعة الحادية عشر تقريبا شعرت كأن الأرض زالت من تحت
قدميّ ووزني انخفض كوزن ريشة تتلقفها رياح عاتية وصوت
مدوي
خلف في أذني أزيز صوت الموت الذي لم سبق لي أن سمعته سابقا ورد فعل
لا إرادية وجدت نفسي منبطحا على رصيف الشارع وقد احتضنت يدي رأسي
مستفهما، هل أنا لا زلت حيا أم أن الموت فصل روحي عن جسدي.. بقيت
لثوان بلا حراك.. وعيوني تسترق النظرات من حولي كاللص الذي كشف أمره
في عملية سطو.. وحقيقة لم تسعفني الشجاعة لأن أنهض مرة أخرى حتى
شاهدت بعض الناس همت بالنهوض، وانتشرت في المنطقة سيارات الشرطة
مغلقة لجميع الطرق المحيطة،في اقل من لحظة استدركت أنه انفجار ولكن
ما سببه عبوة ناسفة أو سيارة مفخخة أو صاروخ موترز...الأمر سيان ولكن
فضولي المهني يدفعني للتحقق.الكاميرا لا تزال بيدي والحمد لله ، إنها
ذمة قانونية، وان حدث لها أي مكروه قد لا أستطيع أن أسدد ثمنها
بسهولة خصوصا وأن سعرها ضعف راتبي.... حمدت الله على سلامة الكاميرا
أولا ثم على سلامتي ثانيا.
عندها توجهت مباشرة صوب مركز الانفجار الذي يغطيه دخان اسود قاتم
تتلاسن بين طياته النيران وتزداد التهابا شيئا فشيئا في حين طغى
صوتها الهادر على صمت مطبق يعلو في سماء الحدث.
الرؤية لم تكن واضحة فحاولت التقدم إلى الأمام قليلا مصوبا عدسة
كاميرتي علني اعثر على جثة جندي أمريكي كان سببا لما حدث أو أي آلية
لقوات الاحتلال وبدون أي شعور لاحظت نفسي أنني على بعد خطوات من وسط
الانفجار ولو أن الريح انعكس باتجاهي لاحتظنتني ألسنة اللهب، ولكن
دون جدوى ...
جميع العربات كانت مدنية، ولا توجد حتى عربة حكومية واحدة كي تبرر
هذه المجزرة..؟ ورحت أردد بصوت مسموع ما الدافع ما الدافع ... كلمات
لازلت أرددها حتى الآن.. كان سبب الانفجار سيارة مفخخة، حسب تحليلي
فلا يوجد اثر لصاروخ والعبوة الناسفة لا يكون انفجارها بتلك الشدة.
اندفع عدد من الشباب صوب السيارات المحترقة في محاولة العثور على
أحياء أو جثة على الأقل يستطيعون إنقاذها من التفحم بالرغم من محاولة
أفراد الشرطة من منعهم، لكن مرت محاولاتهم دون جدوى، فالنيران كانت
أشجع من مبادرتهم، فالجثث كانت ملقاة في مكان استحال على أحد الوصول
إليه خصوصا إن بعض خزانات الوقود بدأت بالانفجار واحدة تلو الأخرى.
وأبشع ما يمكن أن يرى جثة رجل التهم الانفجار نصفها في حين التهمت
النيران ما تبقى على مرأى الجميع دون أن يستطيع احد فعل شيء.
وضعت كامرتي في جيبي وأنا في هول الحدث وبدأت أسير وأسير وأسير
وأنا استرجع ما شاهدته في تلك
اللحظات
دون أن أجد أي تفسير لمصير هؤلاء الضحايا.. وأفتش في بدني قد أكون
تعرضت لإصابة ما.. مندهشا كوني لم اصب أو اجرح بالرغم من أن جميع من
كانوا بقربي تعرضوا لشظية من زجاج واجهات المتاجر المنتشرة هناك...
مستذكرا نفسي أن قد نجوت من ثاني انفجار بهذه الشدة والقرب بعد
انفجارات عاشوراء... أردد ساخرا قد أقضي نحبي في الانفجار الثالث.