تبدأ مشاعر الصداقة والأمر عند الناشئة مع ذويهم في عمر مبكر حيث
يحب الطفل أمه وأبوه ومنذ السنة الأولى يبدأ الأطفال يشعرون بحاجة للعب
مع أقرانهم ولو بحركات اليد وإطلاق القهقهات.. وبذا يكون كل طفل قد حظى
نحو روحه الاجتماعية التي تتطور مع كل مرحلة عمرية معه بحكم العلائق
الاجتماعية المتوالية.
وحين يرى الطفل أن بعض أقرانه يبدون شيئاً من الزعل معه لأسباب
غالباً مع ما تتعلق باللعب بـ(لعبة) أو امتلاك (حاجة) ليتسلى بها فإن
بمجرد نظر الطفل على بعض المخلوقات فإنها توحي له ببراءتها فالطيور
والعصافير وصغار القطط والكلاب هم على رؤوس قائمة المخلوقات التي تثير
ببراءتها مشاعر الطفل فيحاول أن يعتني فيها من باب شعوره اللاواضح
للتعويض عنده عن صداقة أخرى ليس فيها زعل فالمخلوقات الآنفة لا تملك
لساناً تتكلم بلغته البشرية البدائية كي تكون بينه وبين تلك المخلوقات
لغة مشتركة إلا أن الانسجام ببعض الإشارات أو إطلاق بعض الأصوات ومع
مرور الزمن تكون مدعاة للتفاهم على أغلب حال ولذا ترى الطائر أو الكلب
مثلاً يختار مكاناً قريباً من الطفل الذي يحاول من جانبه إطعام من
يقتنيه منها كالتعبير عن نوع من الاهتمام بذاك المخلوق وهكذا فالطفل
يعقد أول صداقة ذات معنى أقرب إلى نفسه مع الطيور والحيوانات الأليفة.
وبوقت يطمع الطفل أن تكون صداقته مع أقرانه ضمن صلح مفتوح لا يشوبه
عائق بحكم اجتماعية نفسيته الصغيرة وعقليته الطرية فإن تواجده مع
المخلوقات من طيور أو حيوانات في البيت يجعله يشعر أنها تابعة له ويفكر
أن حياتها لديه هي بمثابة (وديعة) لذا تراه يدافع عنها ويدفع الشر مهما
كان مصدره وهذا عامل يساعد الطفل حين يشتد عوده ويصبح في عمر الشباب
مثلاً أن يدافع عن الأصدقاء أو الأشخاص الذين يشعر أنهم ضعاف أمام
معضلة تمر بهم.
لكن المسافة النفسية تبقى بعيدة بين من يشاكس أي صداقة حقة فالمرء
في عمر الوعي تكون قد تركزت في ذهنه مبادئ الدين والعدل ويقدر أن
صداقته مع الآخرين تبقى مقترنة على الرهان المبقي للود بين طرفين أو
أكثر ولكن مع التجارب المكتسبة من عدة صداقات كان النجاح حليف بعضها
والإخفاق حليف آخر منها وهذا ما يشعره أن لا ضمان لاستمرارية أي صداقة
إلا بتوفر شروط الاستعداد النفسي والضميري بين الطرفين وأن أي خلل ممكن
أن يقلب الصورة في النفس.
والصداقة هبة من الباري عز وجل وينبغي على المرء أن يبذل كل مساعيه
كي يحافظ عليها وأن يكون موقفه الإيجابي منها ثابتاً كي تبقى تحلق في
عالم الإخلاص.
لذا من الضروري أن يختار المرء أصدقاؤه بعناية فائقة في الأعمار
المبكرة وعلى الآباء والأمهات أن يكون لهم دور الناصح لأبنائهم وبناتهم
بهذا المجال الحساس فأفراد السوء منتشرون بكل مكان وينبغي التنبيه عن
الابتعاد عنهم.
وإن التجربة تصقل كل صداقة حقة والصداقة كعلاقة مقدسة ينبغي الحفاظ
عليها والأقوال المأثورة عن الصداقة عديدة وكانت وما تزال مدار بحث بين
الأصدقاء ومنتديات اللقاءات وكثير من المربين ألفوا كتباً قيمة عن
الصداقة فالإمام علي (عليه السلام) يقول عن الصداقة وأهميتها (رب أخ لك
لم تلده أمك) وهناك مقولة عربية تنص (صديقك من صدّقك) وأقوال أخرى لا
يسع المجال لتعدادها.
ففي الصداقة حفظ أسرار الأصدقاء الآخرين ولمشاركة الأصدقاء في
الأفراح وإبداء التآسي عليهم عند الشدائد كلها أمور تبشر فعلاً أن بذرة
الصداقة يانعة في سماء المخلصين. |