في تحليل ظاهرة العنف لا بد من وجود خلفية تتحكم بها فالعالم وبعد
انتهاء الحرب الباردة منذ أوائل تسعينات القرن العشرين الماضي يشهد
تصعيداً خطيراً غير مسبوق لهذه الظاهرة التي غدت قضية عالمية.
ما يثير أكثر حول التأمل في ظاهرة العنف أن هناك من يسرد وجهة نظره
وكأن الأمر طبيعي، هذا في حين أن السجالات المناوئة للعنف آخذة
بالاعتقاد أنه إذا ما استمر على وتيرته الجارية الآن ببقاع عديدة من
العالم فإن ذلك يعتبر بمثابة تمهيد لسيطرة الجهات الشريرة الدولية على
حياة البشرية جمعاء، إذ أن ثمة عامل مهم هو (العنف المبرمج) قد بدأ
يفرض وقائعه المتوالية على ارض الواقع.
لقد تطورت أساليب وأدوات العنف إلى درجة مزرية تبدو وكأنها لم تعد
السيطرة عليها أمراً ممكناً بسهولة خاصة إذا ما تم العلم أن (السياسة)
تشكل القاسم المشترك في عوالم العلاقات المحلية والإقليمية والدولية
بهذا الوقت الذي يفضل أن يتم التمايز بين سلوكيات العنف الفردي –
الجماعي اللاسياسي عن بقية أنواع العنف الجرمي السياسي ولعل أحط
اقترافات العنف ذلك الذي يتسم بإيكال القساوة الفائقة للناس الأبرياء
وعلى خلفية تسييد المفارقة الظالمة التي تحاسب الناس على كونهم أفراداً
غير مدركين لمصالحهم!
أن أعداء الإسلام الذين يقضون وراء ظاهرة العنف السلبي في كون الكرة
الأرضية يحاولون اليوم وبكل استمالة أن يعطوا معنىً آخراً للعدل
ويلصقوا (بلا أي شعور للمسؤولية) تهمة العنف على كونه من ثوابت مبادئ
الإسلام، ولعل في مثيل هذا الطرح التآمري تنكر واضح لتعاليم الإسلام
الحقيقي الذي يرفض أي ممارسة للعنف على خلفية الارتزاق ويتم فيه أنه
يحدث باسم الإسلام إذ أن بذاك إبعاداً لـ(وجاهة الدين الإسلامي) الذي
يتقدم على كل وجهات الإنسانية.
ففي هذا العصر الذي تختلط فيه الآن أوراق الحق والباطل يحاول البعض
من أعداء الدين الإسلامي التركيز على سلبيات (أشخاص مسلمين ولكنهم غير
مؤمنين أبداً بمنهجية الإسلام السمح ممن يقترفون العنف العشوائي ضد بني
البشر الأبرياء. وذاك البعض أعلم أن (العنف) بغير حدوده الدفاعية
الموضوعية ليس مبدأ إسلامياً ولم يكن كذلك بأي ظرف تاريخي زماني أو
مكاني. |