(صوم القلب خير من صيام اللسان، وصيام اللسان خير من صيام البطن)
الإمام علي (عليه السلام)
لا شك أن القلب هو مركز جسم الإنسان وفي الروايات والآيات يطلق على
مركز الروح المعنوية في الإنسان حيث يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من
أتى الله بقلب سليم وخال من كل الشوائب فإذا صلح القلب صلح الأعمال
ورمضان شهر الإخلاص ولا يتحقق الإخلاص إلا إذا تطهر موطن الإخلاص في
الإنسان، وهو القلب، فإذا تطهر القلب فإن العمل يكون نابعاً من الإخلاص،
فتكون أعمال الإنسان صادقة ومخلصة لأن مصدرها صادق ومخلص، وإلا كيف
يكون العمل صالحاً ومخلصاً وهو نابع من قلب غير صالح وغير مخلص، وكل
إناء بالذي فيه ينضح.
ورمضان في واقع الأمر هو فرصة الإنسان المسلم لتطهير قلبه وتنظيفه
وتمرينه على الإخلاص وعلى الصدق والمطلوب فقط هو صدق المحاولة وإخلاص
النية لها، لكي نحصل على بركات هذا الشهر الكريم من رقة القلوب ورهافة
المشاعر التي تترك بصماتها على كل مسلم ومسلمة وتخليهم عن القسوة أو
خشونة الطباع التي من الممكن أن تكون مسيطرة على البعض منهم خارج نطاق
الشهر الكريم.
وهذا الشهر هو ربيع القرآن، والمداومة على تلاوة القرآن الكريم
وتدّبر معانيه واستكناه آياته وسوره، ومحاولة الفهم القائمة على
الاستدلال والمنطق تجعل الإنسان يدخل طوعاً في عالم من النور والحكمة
ومعرفة الحقائق على أصولها، ومن ثم يتفتح العقل على معارف جديدة، تبعده
عن التفكير في ماديات الحياة وعن سطحيتها، وتجعله يفكر فيها بالقدر
الذي يلبي به مطالبه الدنيوية كما أمر الله دون جشع أو طمع أو حقد أو
حسد، لأنها تجعله يتعمق أكثر ويتأمل أكثر في ملك الله وملكوته وعن طريق
التأمل الصادق يرق إحساسه وتصفى نفسه من الأكدار والأغيار، وتسمو
عاطفته فتتغير ملامح القسوة في قلبه وتتحول إلى لون آخر تماماً يتسم
بالرقة والوجدان والرحمة، لأن الإنسان أدرك بعقله ومن خلال التأمل في
خلق الله وفي كل ما يحيط به من آلاء ونعم ومن آيات كونية وغيبية، أدرك
أن الحياة في حقيقتها منطقة عبور للنعيم أو للجحيم، وأنها دار اختبار
سرعان ما تزول بكل ما تحويه وأن كل ما عليها مجرد زينة لها لابتلاء
واختبار الإنسان فإما أن يؤمن وإما أن يكفر، ومن هنا تأتي الخشية
وتتبدل القسوة والغلظة في القلوب إلى الرقة والمحبة والإخلاص.
إذن الإخلاص هو تطهير القلب باتباع القدوة الحسنة، وقدوة قلوبنا هو
سيد الخلق أجمعين النبي الأكرم وأهل بيته الطاهرون وهو القائل (صلى
الله عليه وآله وسلم) (فاسألوا الله فيها بنيات صادقة وقلوب طاهرة أن
يوفقكم لصيامه وتلاوة كتابه).
والمهنة التي من المفترض أن يتقنها القلب هي الإخلاص والحب والمران
عليها في سنة المصطفى وآله الأطهار وفي أوامر ونواهيه التي أخذها عن
ربه جل وعلا.
وهنا يأتي دور الإنسان ذاته في إخلاص النية لتطهير القلب شيئاً
فشيئاً على طرد خواطر السوء واستبدالها بالخواطر الإنسانية والإيمانية
الطيبة، ومع المزيد من العبادة والذكر وإصلاح القلب يتأكد الإنسان
عملياً أنه لا طريق سوى طريق الله ورسوله، وأن سلوكه هو الملاذ الوحيد
لتخليص الإنسان من آلامه ومعاناته المادية والمعنوية.
ورمضان بجرعات المحبة والعبادة والصدق والإخلاص وبصيام القلب والنفس
والجسد عن المعاصي هو فرصة الإنسان للصفاء والخروج من الدائرة المغلقة
إلى سماء كلها صفاء ونقاء وهناء وأنس بالله ومحبة في الله وفي أحباب
الله. |