محاكاة النفس بشهر رمضان المبارك تنبه أنه شهر ولكن ليس كأي شهر
فمزاياه كثيرة جداً ويكفي أن يكون قدومه مناسبة لإعلان أعداد كبيرة من
البشر اللاملتزمين بالدين الإسلامي أنهم يتوجهوا إليه وطالبين من الله
خالق الكون الغفران والتوبة على ما اقترفوه في سالف الأيام من عدم
مبالاة بما تمليه عليهم الشريعة المحمدية السمحاء.
والحديث عن شهر رمضان لا يقتصر على أداء العبادات فيه كـ(الصوم
والصلاة والزكاة بل يتعدى بإطاره الإيمان إلى مسألة الجوارح التي لا
يمكن إلا بإيجابياتها التي يريده الله سبحانه وتعالى أن تكون عليه كي
تبنى النفوس من دواخلها بناءً متيناً غير قابل للميل نحو كفة الدنيا
بصورة مجردة لا تأخذ يوم الحساب الأكبر بالاعتبار العقلي والضميري وهو
يوم قادم لا محالة من ذلك.
وما موضوع العطش أو الجوع في رمضان الفضيل إلا ناتج عرضي عن عملية
الصوم ودافعاً للتفكير بحاجة المحتاجين الذين ما لم تسد حاجاتهم من قبل
الميسورين فأنهم يكونوا بمثابة الصائمين لا بل وأكثر من ذلك لأن الصائم
الميسور أمره يعلم أنه عند قيام آذان الغروب يكون هييء له طعام وشراب
الإفطار أما المحتاج الذي لا تتاح له هذه الفرصة وبالذات خارج صدد
تاريخ حلول الشهر فيبقى جائعاً وعاطشاً يتطلع إلى رحمة الله العلي
ورحمة الله هنا أن يكون الميسورون من الناس هم الأداة لجعل تلك الرحمة
ذات معنى إيماني فيستقطع الميسور جزءاً ولو قليلاً مما أفضل عليه
الخالق العظيم ويناوله إلى من يحتاج وبديهي فهذا لا يكفي ما لم يصاحب
ذلك العطاء شيء من الإيثار لعدم إشعار المستعطي أو المستقبل للعطاء
بأنه محتاج وأن الباذل يتصدق عليه بل ينبغي إشعاره بأن الإخاء الإسلامي
يقتضي المشاركة الأخوية بين الناس أجمعين.
والتقوى بشهر رمضان هي بمنزلة القنديل في الدروب المظلمة والتقي
الذي يبرز تقواه بصورة عفوية في الشهر الرمضاني غالباً ما تلاحظه
الأعين فتحس ما معنى الإيمان فيتطلع الناس بذاك إلى المؤمن التقي على
كونه (قدوة حسنة) ينبغي الإقتداء بها والتقوى في خلاصة غايتها فتح تهزم
الغمام، والمتابع ليوميات رمضان بقدر ما يلحظ أن الناس بشهره منتصرون
على نفوسهم الأمارة بالسوء بقدر ما يقم أنها هبة من الله أن يكون
الإنسان مستمسكاً بخصال الروح والتحليق بأجنحة الإيمان.
وحكمة شهر رمضان أن العدل فيه بين الناس جارٍ حتى أن المظالم تكاد
تكون فيه مؤجلة من قبل المخططين لظلم الآخرين وبمقدم شهر رمضان يتذكر
الناس استشهاد أمير المؤمنين الإمام علي (عليه السلام) وتتجدد ذكرى
الحزن على مصيره بعد أن ظلم قاتله الإسلام والمسلمين معاً لما فتح
الباب على مصراعيه ليأت أشباه المؤمنين من أمثال معاوية ويزيد والرهط
الذي تلاحم على كرسي الحكم ليحكموا بالباطل ولكن بإلصاق صبغة الإسلام
عليه حتى إذا ما دارت الأزمان وجد جموع المسلمون أن غالبيتهم مسلمون
وليسوا مؤمنون حقيقة بالإسلام وهكذا يبقى مع كل قدوم لرمضان فرح غامر
لأن أداء الصوم فيه فريضة إلهية محببة للقلوب. |