ظاهرة وجود الأقليات في معظم دول العالم مسألة طبيعية لا ينبغي أن
تتحسس أي حكومة من إثارتها بل على العكس فإن أي حكومة عادلة ممكن أن
توظف قوة أقلياتها لصالح شكيمتها عبر إقامة الوحدة الوطنية معها
باعتبار أن كل مواطني الدولة يشتركون في الدفاع عن دولتهم ووطنهم.
للأقلية بأي بلاد سماتها الخاصة وربما اختلفت بعض طقوسها وتقاليدها
العائلية أو المجتمعية التي تختلف عما عند غيرهم لكن ما يمكن أن يساء
فهمه بهذه المرحلة أن تضفى على طرح قضية الأقليات في العالم وكأنها أحد
أكثر التحديات في الكرة الأرضية ودولها. فعلى مستوى العالمين العربي
والإسلامي لا ينكر أحد أن الأقليات موجودة بكثرة التنوع في أغلب
بلدانهما لكن آمال وحدة الشعب في كل بلد عربي وإسلامي هي أقوى من ناحية
خدمة الشعب والوطن الذي يعيش عليه الجميع ومطالب أي أقلية لا يمكن أن
تكون عقبة سياسية لو نظر إليها من باب ضرورة تحقيق عملية التوحد الوطني.
والموضوع بقدر تعلقه بالوعي السياسي التي إذا ما افتقرت إليه
الأغلبية السياسية الحاكمة في البلدان – أي بلدان كانت – فهذا سيعني أن
شروعاً ببدئ مشكلة عرقية هناك تعمد في إثارتها بوقت مؤجل أو آني. ونظراً
لحساسية قضية الأقليات في العالم على وجه العموم وفي العالمين العربي
والإسلامي خصوصاً فإن الهدف السياسي الذي ينبغي أن تضعه أي أقلية أمام
ناظريها هي التوحد مع بقية فئات الشعب ففي الاتحاد قوة وأن يكون
التسامح مدرسة لزيادة الوشائج الإنسانية في البلاد.
أما عن الاختلافات الممكن أن تظهر في أي حوار فيفضل أن لا يبتعد عن
النموذج الوطني المنشود القادر على تقبل التعدد السياسي في البلاد على
أن تكون القيم الوطنية الحقة السكة المنشودة للجميع. فحقاً أن تغييرات
عالمية تحدث هنا وهناك ولم يعد من المناسب تركين مطلب التجانس المطلوب
وكأنه من الأمور اللامهمة إذ أن ذلك يتنافى مع لائحة حقوق الإنسان لا
بل ويناقض حقوقاً إنسانية أساسية لا خياراً عقلانياً إلا باعتماد
تطبيقها والحرص على اعتبار الشأن عند أي أقلية بموضوع الاهتمام العادل.
إن تعبير (نحن) أو (ونحن فقط) يتطاير منها الخطر المحدق بـ(أوضاع أي
بلد) وموضوع وضع الحلول السريعة لحقوق أي أقلية ما لم تحركه مواقف
حضارية بحتة فستؤول نتائجها المرسومة أو اللامرسومة إلى الفشل وعلى أية
حال أن زمن احتقار الأكثرية للأقلية في معظم بلدان العالم قد أمسى في
حكم التاريخ على ما يبدو ولأن الأمر يتعلق من حيث النية بالموقف من (الآخر)
فإن بالإمكان تجاوز أي تطرف بهذا الصدد بالنسبة لبلدان الحضارات
القديمة الممكن أن تقدم نماذج ديمقراطية حقة للعالم لتقتدي.
إن الكثير من الأسئلة حول توحد المجتمعات ضمن أمة واحدة أو أمتين
متوحدتين على أساس حضاري هي قضية لا ينبغي استبعاد تحقيقها فمعظم
مشكلات الأقليات في العالمين العربي والإسلامي لا تحتاج إلى عناء جهد
لحلها إذ يكفي كخطوة بادرة حسن نية أن تعلن كل دولة من جانبها قانوناً
للوحدة الوطنية يكون الأداء الشرعي في الاستقواء القانوني المقر وطنياً
على مستوى الدولة والمجتمع. |