الإرهاب.. والإرهاب.. ثم الإرهاب هذا الاسم أصبح يتكرر على مستوى
الإعلام الدولي والإقليمي والمحلي ليس يومياً بل وبشكل مكرر كل يوم حتى
لا تكاد نشرة إخبارية تخلو من (النطق به).
من أهم الملاحظات الممكن تسجيلها حول الإرهاب وبغض النظر عن تفسير
خلفية منطلقاته فإن القائمين به هم على الأغلب في عمر المراهقين أو
يزيدون عن ذلك قليلاً وهذا يعني أن قلة الوعي الحقيقي هو الذي يعصف
بنفوس هؤلاء الذين يمتازون بهذه المرحلة من العمر بالحماس لكل شيء أو
أي ميدان يدخلون أو يتدخلون به.
ولعل من مآسي الزمن أن يدعي بعض الإرهابيين أن عمليات إرهابهم
وقتلهم للناس الأبرياء هي (جهاد!) والأغرب من ذلك أن هؤلاء الإرهابيين
يدعون على مستوى القادة أو القواعد أنهم في حالة جهاد ضد ما يسمونهم
بـ(الأعداء) مع أن أعداء الإسلام إن وجدوا غالباً ما لا يطالهم شيء من
عمليات الإرهاب المسخر دون تمييز ضد الناس العاديين أكثر من الأنداد
السياسيين.
إن تشبيك الفكر الإسلامي بالإرهاب ضمن تفسيرات غربية معينة أو
تأييدات شرقية متذايلة للقوى الغربية التي تعتقد أنها ناجحة حتى الآن
في حكم المعمورة كلها تقريباً ما يزيد الطين بلة فالجهاد المدعى ليس
جهاداً والإرهاب المرفوض لدى كل شرفاء العالم لا يمكن أن يفلح في حكم
العالم لأن مرجعيته تابعة وممولة من قبل دول معينة وأن عصابات الإرهاب
بقدر ما تحاول أن تدعي تبني هذه الأيديولوجية أو تلك لكن المفضوح في
الأمر أن تلك العصابات قيادات عميلة حتماً وقواعد جاهلة تتحكم بها
العواطف الفارغة فيندفعوا لتنفيذ أوامر لا تفتح لهم في الدنيا سوى
اللعنات وفي الآخرة أبواب الجحيم.
إلا أن الجانب الثاني من صورة الإرهاب والإرهابيين تعكس مأساة من
نوع آخر فبعض الحكومات في العالم النامي ومنها دول عربية لا يتسم
حكامها وفرقهم السياسية بحكمه أنهم يتخذون من الحرب على الإرهاب إعلاناً
دائماً كـ(ذريعة) لقمع المطالبين بإصلاحات ديمقراطية سواء على مستوى
نشاطهم الأيديولوجي كسياسيين مستقلين أو من جهة كونهم ينتمون إلى أحزاب
سياسية تطمح لتطبيق الديمقراطية في بلدانهم.
ومن مكائد تعميم تهمة (الإرهاب) أن ملفه لم يفتح بعد كي يعرف
المجتمع الدولي من هو الذي تنطبق عليه صفة الإرهابي ومن هو المعفي عنها،
ولعل حالة الإرباك التي يعاني منها المسلمون الذين يعيشون في كنف
المجتمعات الغربية لكونهم على قائمة الإرهابيين بحسب الاعتقاد السياسي
الغربي العام المقيم عنهم فهذا ما يزيد الحالة تعقيداً وربما يرقى هذا
الموضوع الآن إلى كون ذلك تسليط معاكس للإرهاب تقوم به الدول
اللاإسلامية ضد المواطنين المسلمين الأبرياء المتواجدين على أراضي تلك
البلدان بصور مشروعة إلا أن معاملتهم لكونهم (مسلمين فقط) بالتهديد
يقرب تلك الدول إلى كونها تسلك سلوكاً وحشياً في مسألة هي في غاية
الحساسية بوقت يفترض أن لا يحاسب أي إنسان على كونه من هذا الدين أو
ذاك لمجرد أن أحداً من معتنقي ذات الدين قد أساء لأحد أو أرهب غيره.
ففي العقلية الجهولة التي تواخذ الناس بجريرة غيرهم لا يمكن تسمية
ذلك أكثر من التعبير عن موقف متخلف بيد أن أسلوبه المتبع ليس فيه ما
يقضي على الإرهاب بل يولد طبقات جديدة ضد توجهات تلك الدول التي تحاسب
الناس الأبرياء على كونهم إرهابيين بوقت هم فيه ليسوا كذلك فمثل هذا
السلوك الدولي اللادقيق يضر بمصالح الدول التي تستسهل توجيه تهمة
الإرهاب ضد الآخرين قبل أن تحصل على دليل أو يكون لها الحق أن تطبق عكس
ما تدعيه فالذي يحارب الإرهاب ينبغي أن لا يمارسه كما هو معلوم.
فإذا كان الإرهاب السياسي وممارساته هو نوع من الجريمة فلا بد من
تبني مشروع قانون دولي واضح البنود لمكافحة (جرائم الإرهاب) على مستوى
تبنيه من قبل هيئة الأمم المتحدة. |