يمكن اعتبار هذه الآونة الزمنية الراهنة من أفضل الأجواء الإعلامية
التي شهدها عراق ما بعد 9 نيسان 2003م ففي كل الحكومة العراقية المؤقتة
أخذ دأب الإعلاميات العراقية وبالذات منها الصحف يأخذ أشكالاً متعددة
يغلب عليها إدانة النظام الصدامي المقبور وفريقه السياسي الخائن وثم
توجيه النقد المصاحب لإرشاد التوجه الحكومي من أجل استيعاب أرث المشاكل
المستعصية التي خلفها ذلك النظام الفاشي.
لم تكن مفاجأة لأحد أن شعر العراقيون لأول مرة أثر مسرحية انهزام
جحافل الساقطين والمنبوذين من فريق الحكم السابق الذين تلاعبوا بمقدرات
شعب العراق وأساؤا بشكل مأساوي لكل الناس الطيبين فيه إذ شعر هؤلاء
الساقطون والمنبوذون من قبل الشعب إن ما استحصلوه من مكاسب المال
والجاه والتحكم بمصير العراق لكافٍ فقد صدرت الأوامر أن يركنوا كل
الشعارات المزيفة التي كانوا يتحدثون بها عن (النضال الفارغ) إلى جنب
وأن عليهم أن يكونوا بمستوى أداء دورهم الجديد (وفي الهزيمة كالغزال)
وهم المسلحون الذين كانوا يدعون (بكل تبجح) أن لهم تنظيم سياسي عقائدي
وعجباً لمن قبل عن طيب خاطر أو من أول إشارة للترهيب وانتمى إلى ذلك
التنظيم المنحط الذي لم يعرف للرفق بالأبرياء سبيلاً في نهجه داخل
العراق ومعظم إعلاميات العراقيين ذات الاصطفافات الشخصية أو السياسية
الحديثة قد خصصت صفحات وأجزاء من صفحات كاملة لتوضح عار السلوك الذي
انتهجه النظام ضد المجتمع العراقي من باب تثقيف الجماهير بالحقائق
التاريخية التي كانت وهناك استطاعة لإثباتها على الأرض.
وعلى نفس النهج الذي خطته إعلاميات العراق الجديد فقد أوضحت بعض
الصحف التي تجاوزت الـ(100) صحيفة ولم يقل عددها عن هذا الرقم حتى الآن
أموراً غايتها تقوية آصرة الشعب العراقي وزيادة لحمة توجهاته السياسية
من أجل الظفر بغد مشرق ينعم فيه العراقيون بنظام ديمقراطي تعددي حتى لا
يكون هناك مستقبلاً ما يصلح لأرضية هشة قد تسبب الانهيار للدولة
الديمقراطية في العراق التي يتطلع إليها العراقيون بأمل كبير.
ودوائر الدولة في عهد العراق ما بعد سقوط النظام الصدامي أخذت ترد
بكتب رسمية عن أي نقد لحالة سلبية في عملها وتنشرها الصحف المعنية دون
أي تشنج ومما يمكن ذكره أيضاً أن الصحف أخذت تنشر أخباراً عن اللقاءات
الحميمية التي تتم بين رؤساء التنظيمات السياسية المختلفة وتعزز أخبار
تلك اللقاءات بصورة فوتوغرافية بما في ذلك اللقاءات التي تم بين
مسؤولين سياسيين من المنتمين إلى الحكومة المؤقتة وقبلها مجلس الحكم
المحلي وغيرهم ممن ما يزال تمثيلهم في الوضع الحكومي الجديد قيد
الدراسة من قبل الحكومة المؤقتة.
وضمن عملية استعادة أنفاس التعبير الحر فقد فسح المجال في أحيان
ليست قليلة لتقبل السلطة العراقية بعهد مجلس الحكم الانتقالي والحكومة
العراقية المؤقتة أي نقد ومهما كان وكيفما كان ودون أن يكون هناك أي
إجراء قمعي يمنع مثل تلك الآراء الناقدة والمتطرفة أحياناً وفي هذا كما
يقولون أول الغيث نحو الظفر بإعلاميات عراقية ديمقراطية حقة... فقد ذهب
الحكم القرة قوشي بعار.. خيانته العظمى.. وبعض الصحف العراقية كانت
تتكلم عن القوتين الحاكمتين في الخفاء باعتبارهما قوتين محتلتين (بريطانيا
وأمريكا) ووصل الوصف الإعلامي بأنهما يغوصان في مستنقع، كما وتخطت بعض
الصحف حاجز الخوف فكتبت عن حقيقة الأوضاع الجارية في البلاد وما يدور
في السجون من انتهاكات يقوم بها أزلام قوى الاحتلال ضد العراقيين
والعراقيات وفضحهم وكذلك فضح القتلة من تلك القوى التي تسببت في قتل أو
التسبب بقتل أو انتحار بعض العراقيين والعراقيات لأسباب لم تعلن حتى
الآن، ولكن لم تكن هناك أي مشكلة إعلامية قد حدثت ضد تلك الصحف مع
استثناءات قليلة جداً.
وعن الرفاه المادي الذي حصل عليه مرتزقة التنظيم السياسي للحكم
الصدامي يبدو أن معظمهم اكتفى به ضمن ضحكهم على ذلك التنظيم وضحك ذلك
التنظيم عليهم إذا كانا معاً في هوى الخيانة والجريمة سواء بسواء
وهؤلاء الذين أتاحت لهم الفرصة للسفر إلى دول الجوار متسترين قد فضحهم
الإعلام العراقي، ولأن الاستقرار في البلاد مطلوب.
لقد ذهب الزمن الذي كان فيه الرأي العام العراقي أسيراً لمطالعة صحف
النظام السابق فقط والمواطنون غاضبون بهدوء وارتقاب. |