الكراهية الصورة النقيضة للمحبة إلا أن ما بينهما خيط رفيع ولكنه
متين فكم من حال كراهية تحوّل إلى محبة والعكس صحيح أيضاً.
كم تراءت للناس فصول من تشكلات الحياة مست الوجدان بقوة وتركت
بصماتها الأبدية في النفوس التي عاشت ظرفاً.. معيناً أو كانت قريبة منه.
فلقد انتهت مآلات العديد من العلاقات البشرية الراقية إلى التلاشي بوقت
كان بناء النفوس عال بين الثابتين على ناحية المثل وصفات السوية.
ما يمكن سوقه في مجال فعل الكراهية عديد وعديد ففي تراث الماضي
ويوميات الحاضر مما يمكن أن يتجاوز تدوين مجلدات بكاملها ولكن سعي
الإنسان من منطلق سيادة الخير بين جوانح مشاعره الذاتية المتأصلة كي
يعيش في ظروف راحة لا يعكرها جو حاقد لا يفضل أن يبقى أملاً فحسب بل أن
يعمل للوصول إلى منصة الفوزية، فاليوم ونتيجة لضغوط الحياة تضيق الصدور
من شدة غرائب السلوك التي تدفع بالبعض الكثير من جهال الحياة الذين لا
يمكن الضمان لعودتهم إلى مواقع الحياة السوية قبل أن يتعرض أحدهم إلى (صدمة
حقيقية) أي كان نوع هذا الصدمة بحيث تجعله يفكر بأن إلحاق الضرر
بالآخرين مثلاً يولد كراهيتهم له.
ونسبة كراهية المتضرر تختلف في ردة فعلها بين مرء وآخر ولعل أفضل
أنواع الإجراء لمواجهة كره الآخر المتسم بـ(الظلم) هو تركه وأشر نوع من
الكارهين ذلك الذي يكره الآخر دون أن يعرف سجاياه الحميدة، وهكذا فصور
الكراهية برغم تدرجها بين الجهالة وسوء التطلع بنظرات مسبقة حاقدة على
الآخرين دون سبب وجيه أو مبرر كافٍ فإن الوجود البشري في حالة اندماج
المصالح كلها عوامل مساعدة تؤدي إلى وضع سياج عالٍ بين الناس الكارهين
وغيرهم لكن استمرار التواصل في التواجد المكاني والزماني كفيل أحياناً
في عملية تغيير الكارهين إلى محبين نتيجة لملائمات تحدث هنا وهناك.
ومن أشد أنواع الكراهية ما تشهده يوميات السياسة إذ يمكن أن تتحول
الكراهية في لحظة سريعة إلى إنهاء حياء المقابل وهو لا يستحق الموت
خاصة إذا كان لديه تطلع سمح للتعاون مع الكاره من أجل تحقيق غاية عادلة
ممكن أن تفيد المجتمع الذي يعيشان فيه معاً ويحدثنا التاريخ أن حكاماً
قدماء ومعاصرون قد انزلوا عقاب الموت بأعدائهم الديمقراطيين وبديهي
فالعدو الديمقراطي لا تنطبق عليه سوى الاختلاف معه في وجهة النظر وهذا
ما يستدعي التحاور معه وليس قتله.
إن الكراهية ليست لها مقاييس ممكن معرفتها لكن الاستدلال عليها سهل
أحياناً فالتركيز على نظرات وطريقة كلام ونسبة تمرد بعض الأطفال في
العائلة ممكن أن يعرف الكبار في العائلة من الذين يكرههم أم لا.. مما
ينبغي إزالة الحاجز النفسي معهم قبل أن تكبر نسبة الحقد والكراهية في
نفوسهم مع تقادمهم العمري. والاهتمام بالآخر هو نوع من امتلاك السماحة
وهنا يبرز دور الناصح الموضوعي للكارهين ويحاول تغيير موقعهم الجهول
دون أن يسمي ذلك عبر إعطاء المثل والحوار اللامقلل لشأن أحد.
إن قمع الآخر بالحقد هو نوع من الاضطهاد الشديد وبالذات إذا كان
الآخذ بجريرة الأخرين قد استخدم للتعبير عن الكراهية – اللاعلمية أي
تلك التي يكره فيها المرء لأن شكل سنحته لا يعجب الكاره والى ما لا
نهاية من الدوافع السلبية المختلفة التي تعشعش في ذهنية الناس الحاقدين
على الحياة.
وتبقى الكراهية وكأنها صف طلبة ينتظرون قدوم المعلم ليلقي عليهم درس
حصته من التعليم عليهم. إن في التوجه نحو الكارهين (إذا ما عرفوا أو
تحييد مواقفهم من الذين لا ينالوا الإعجاب بهم فوائد تساعد على تعميم
روح الإنسانية مع الاعتراف أن الحقد الموضوعي الكبير لا يسببه إلا فعل
شر كبير. |