دخلت العولمة مرحلة المحك الصعب بعد أن ثبت من حيث الأولوية أنها
تخفي وراء أطروحتها شيء آخر وربما يعود ذلك إلى الاجتياح العسكري
الغربي ومسك مفاتيح التحكمات بـ(السياسات الدولية) ولعل بهذا أضعف نقاط
مبادئ العولمة والتي ما يزال الرأي العام العالمي لو أطلع على ميثاق
لها ليعرف حقيقة الطموح لبناء عالم جديد ضمن استراتيجية ثابتة لا تكتيك
متغير.
ميدانياً ومنذ طرح مبادئ العولمة لم يتغير شيء في العالم ليبرهن
فعلاً على حسن نوايا الغرب الذي انطلقت منه (العولمة) فالحروب داخل بعض
البلدان قد ازدادت سعة وتعقيداً والإرهاب الدولي وعلى مستوى العصابات
السرية أضحت سمة من العقد الأول بهذا القرن الحادي والعشرين واحتواء
حقوق الإنسان يكاد أن يكون من الأمور اللاخلاق عليها أما البلدان التي
احتلها الغرب تحت ذريعة فروض العولمة فلم تنل شعوبها سوى الويلات.
هذا ناهيكم عن تفاصيل تردي الأوضاع الاقتصادية وجمود النشاطات
الديمقراطية وتراجعات نهوج السياسة وكل هذا مما أعطى أبعاداً حتى لتغير
المواقف الإيجابية إلى مواقف خاملة أو غاضة النظر عما يجري من هزائم
معنوية لكل ما توصل إليه العقل البشري من إعلان مبادئ لمختلف
الأيديولوجيات ورغم أن أهم تفسير لهذه الحالة اللامسؤولة هي غلبة
الطبقات الانتهازية بكل مجتمع تقريباً إلا أن لصعود الانتهازية أسباب
لا يفضل إغفالها فقد كانت لحالة الاختراق السياسي من قبل الغرب
لتنظيمات واصطفافات وشخوص عاملين في حقل السياسة ببلدانهم له الأثر
الكبير في زرع حالة (اليأس العام) لدى كل تلك المتواجدات السياسية وكان
من الطبيعي أن يرافق حالة اليأس الشديد من القيام بعمل ما قد أضعف
الشعور بالمبادئ السياسية المعتنقة وبالتالي التسليم لقوة وسطوة
السياسات الغربية وكذلك للقوى الحكومية غير الغربية التابعة والمنفذة
لتلك السياسات التي أخذت شكل (العولمة) وسمتها بضرورات تحقيق عولمة
العالم.
إلا أن العالم الذي أصبح في واد والعولمة في واد آخر وعموم
المجتمعات بدأ ترتفع فيها أصوات تحاول أن تصور قوى الغرب العسكرية
وكأنها (قوى ديناصورات) قديمة ومتجاهلة تلك المجتمعات أن في زمن
الديناصورات لم تكن هناك أرادات سياسية ولم تكن الحضارات قد ارتقت
تماماً وأن النزالات التي كانت تحدث بين الإنسان والديناصور لم تكن على
درجة من الكفاءة أو (المقدرة المتكافئة) لكن اليوم فإن أصعب ما تعاني
منه المجتمعات هو تغييب (الإرادة) عن ذاتها وهي تعلم أن أقوى من هذه (الإرادة
لا يوجد سلاح يضاهيها فماذا حدث؟
أكيد أن الخلل في التوجهات الاجتماعية وهذا لا يعني أن قوى السياسات
المحلية والإقليمية والدولية (والإيجابية منها) لا تتحمل قسطاً مما
يحدث في عالم اليوم من مظالم وجرائم بحق الإنسانية وعن دور المنظمات
الدولية فلا بأس من الإشارة إلى أنه دور (أقل من مهمش) والمواثيق
الدولية الصادرة عن هيئة الأمم المتحدة والموقعة عليها كل الدول
الأعضاء تقريباً لم يعد فيها أي معنى سوى (التذكير الأرشيفي) فمثلاً أن
الدول الاستعمارية التي كانت سائدة في مستعمراتها كـ(بريطانيا) وغيرها
والموقعة على قرار إنهاء الاستعمار ضمن وثائق هيئة الأمم المتحدة التي
سنت بعيد انتهاء الحرب الدولية الثانية سنة 1945م لكن استعمارها مازال
سارياً في دول عديدة منها مثلاً (كندا) و(أستراليا) ونيوزيلندا) وغيرها.
إن التخفي وراء مبادئ العولمة بحاجة إلى براهين تلمس باليد وأن
التحدي الكبير الذي تدعيه بحاجة لإعادة نظر فلقد كثر الكلام عن
الادعاءات لتحقيق عالم ديمقراطي مستقر ضمن أطروحة العولمة لا تكتفي
بالكلام فهي بحاجة إلى تطبيق. |