ما من ظاهرة إلا ووراءها نسبة من امتلاك الأريحية سواء كانت تلك
النسبة كبيرة أو صغيرة أو تتدرج فيها بينهما ومن الظواهر التي لم تشغل
بال الناس صفة التكريم التي باتت أملاً يتطلع لنيلها رواد وموهوبون في
مجالات تخصصهم المتنوعة.
ومع أن شمعة ذات بصيص من النور ممكن أن تنير بضآلة لكسر وحشة الظلام
فإن في تكريم الآخرين راحة للمكرمين أكثر من المكرومين إذ يقترب كل
منهما مع الاختلاف بين المانح والممنوح إلى أهم نقطة بالقدوة الحسنة
فخلال الوجود الملاصق لما تم إنجازه في الأخلاقيات الإنسانية بقي
التكريم أحد أزكى ما يمكن الامتنان إليه للشخص الكارم وتشهد يوميات كل
مجتمع سوي تطبيقاً لما ورثه من أجياله السابقة في التكريم الذي يقدر
جهد الآخرين في عموم النشاط الثقافي وبالذات منه الملتزم بقضايا الناس
وتطلعاتهم المشروعة من أجل حياة أفضل لا يتوقف بها الزمن كما حدث في
الفترات المظلمة من تاريخ العالم قديمه وحديثه.
والتكريم الذي هو انتماء للقيم الإنسانية والانتماء الحضاري فإن عدم
توقف حالة تكريم الآخرين بشعور لا يود الكارم جزاء له هو منتهى الرافد
الباني للنفوس والدافع لها نحو التآزر النزيه بين أولاد آدم وحواء
ولهذا يلاحظ أن العديد من الدول قد أناطت تكريم من يستحق التكريم من
مواطنيها إلى لجان خاصة حتى ليكاد التكريم (رغم ندرته في هذا الزمن
التعيس) أن تكون له مدرسة لا يدخل صفوفها ولا يقبل أن يكون من طلابها
إلا الأسوياء الفائقي الأخلاق.
وقد يحاول المرء بحكم الهاجس الذي يجتاح النفوس عادة عند إكرامها
للتفكير العفوي عن الدافع الذي يقف وراء الشخص المكرم فإذا ما تيقن أن
الكرم أحد سجاياه فهذا ما يخلق شيئاً من الراحة لكن ما يبقى هو أن
السعادة تكون أغمر لدى الكارم من الضيف ولذا فبعض الدول لا تكتفي
بإكرام مبدعيها باختصار تقديم واستلام عطاياها إلى هؤلاء المستحقين
تشجيعها إذ تقوم بتنظيم احتفاليات التكريم لهم وفقاً لموسم معين أو
تاريخ معين من السنة ينال المكرمون خلالها الجوائز والعطايا وأحياناً
توضع على صدورهم الشارات والأوسمة التي تسجل في قرارات الدولة المعينة.
ويكمن وراء كل تكريم نوع من أداء الدور المسؤول والأمة التي لا تكرم
مبدعيها ولا تسلك دروب الإكرام بين أفرادها هي أمة فاشلة يتحكم بها فعل
(البخل المقيت) بديهي أن لوم الآخرين على عدم التكريم مسألة غير مفضلة
إلا أن للإعلاميين دور في التنبيه لما يمكن أن يوقظ الغفلة لحسب
الاعتبار للآخرين إذ لا يحدث أن تستقيم الحياة قبل سد الثغرات المنفورة
في جدارية التقييم ومتطلبات السير مع إيقاع حتمية الإنصاف.
ومستحقوا التكريم ليس مقصوراً على فرد دون آخر أو جماعة دون أخرى.
إذ أن صفة التكريم غالباً ما تكون ضمن مبادرة الكارم وليس المكروم ولكن
ما يخشى من أمر التكريم أن ما صاحبه تحقيق غاية سلبية قد تكون فخاً
معنوياً لشخص معين كأن يدعي لإشغال منصب كي يؤدي دور الوجه القبيح
نيابة عمن يحذر أن يلصق به هذا العيب.. ومثال إكرام الخليفة الأموي
معاوية بن أبي سفيان.. لأعدائه عن طريق أطراف ثلاثة كانوا يضعون (السم
في العسل) لهم هو نوع من التكريم السلبي الذي يخفي غاية شريرة أو
انتهازية أو لقضاء مصلحة ذات أنانية.
إن الكرم والتكريم مسألة لا تقبل المغالطة رغم كون المغامرون فيها
هم أبعد الناس عن مصداق اللحظات التاريخية. |