تحولت الهجرة باتجاه اوروبا بشكل عام وفرنسا بشكل خاص من ظاهرة
طبيعية وظرفية الى هاجس يستحوذ على عقول الكثيرين من الشباب والشغل الشاغل
للاسرة باكملها فى اغلب الحالات ليس فى تونس فحسب بل وفى معظم البلدان
النامية المصدرة للعمالة.
فبينما كانت الهجرة تمثل فى السابق "الحل المؤقت الدائم" لفئة
العمال غير المتعلمين لتحسين ظروفهم المادية والمعيشية مقابل تضحيات
معنوية وحرمان متعدد الجوانب اصبحت فى عصرنا الحاضر الهدف الرئيسى
الذى يسعى من اجله اغلب الشباب طمعا فى تحقيق الحلم بالسيارة الفخمة
والفيلا والرصيد البنكى الهائل وبحياة الرفاهة والبذخ وابهار الاخرين.
كما اصبحت الهجرة هى ايضا المخرج الوحيد فى نظر الكثيرين لتحقيق
حلم الصورة الجميلة التى سكنت عقول الشباب وسيطرت عليها حتى اصبحت
نزيفا حقيقيا يهدد على المدى البعيد التركيبة السكانية ومسيرة التنمية
البشرية للدول المصدرة للمهاجرين ويقلب المفاهيم والقيم راسا على عقب
على حساب طلب العلم والامل فى المستقبل فى الوطن الام.
وغالبا ما يبدا الشباب فى بعض المناطق المعروفة تقليديا بارتفاع
عدد المهاجرين منها بالتخلى تدريجيا عن الدراسة والتحصيل العلمى
والتخطيط فى سن مبكرة لمشروع الهجرة والتفكير فى انجازه ولو كان الثمن
حياتهم وسلب سعادة عائلاتهم.
لاسيما وان الهجرة اخذت فى السنوات الاخيرة منحى غير شرعي خطيرا
امام تشديد اجراءات السفر والاقامة فى الدول الاوروبية وعلى الرغم من
ان جنون المغامرة اودى بحياة عديد الشبان الذين قادتهم احلامهم الى
افواه الحيتان والاسماك فى البحار والمحيطات.
كما اصبحت الاخبار والتقارير اليومية عن حوادث غرق مراكب الرحلات
البحرية السرية بالمهاجرين من كل حدب وصوب واعداد الضحايا من موقوفين
وقتلى امرا عاديا لا تكاد تخلو منه الصحف التونسية والاجنبية اليومية
امام تنامى هذه الظاهرة التى تؤرق دول البحر الابيض المتوسط بشكل عام
وايطاليا مركز العبور الرئيسى الى اوروبا بشكل خاص.
وتحولت الهجرة ايضا من ظاهرة اقتصرت فى البداية على الشاب الحالم
بالثروة الى مشكلة تؤرق الاولياء الذين غالبا ما يضعهم ابناؤهم امام
الامر المقضى بالفشل المتعمد احيانا فى الدراسة لاجبارهم على دفع
الثمن العالى لاقتناء تاشيرة الهجرة الثمينة اذا توفرت او اللجوء الى
تزويج الابن المرشح للهجرة من فتاة من الاقارب متجنسة بجنسية اوروبية
ومقيمة فى الخارج او بزواج وهمى من امراة اوروبية مقابل مبالغ مالية
طائلة كى يتمكن من الحصول على وثائق السفر.
وفى حالة عدم توفر هذين الحلين لايبقى امام الشاب المولع بالهجرة
سوى المقامرة برحلة بحرية سرية مع احد مهربى المهاجرين يصعب التكهن
بنهايتها التى غالبا ما تكون الموت اوالايقاف او الاعتقال التحفظى فى
احد معسكرات تجميع المهاجرين غير الشرعيين فى ايطاليا علما وان البعض
من هؤلاء المغامرين حالفهم الحظ وتمكنوا من بلوغ الهدف فى بلد الاحلام
الزائفة.
وتاكيدا على قيمة "زواج الاوراق" للشاب المحظوظ المرشح للهجرة
اصبح يطلق على قسيمة مثل هذا الزواج من فتاة تونسية متجسنة اوروبيا او
اوروبية اصلا "شهادة دكتوراه " فى اوساط الشبان المولعين بالهجرة
نظرا لان هذه الوثيقة اصبحت فى نظر العديد منهم المفتاح للابواب التى
لم يتمكنوا احيانا من فتحها بالشهادات الجامعية لاسيما فى ضوء تفاقم
البطالة الاكاديمية فى تونس وهو تطور طبيعى فى بلد بلغت فيه نسبة
التمدرس حوالى 100 فى المائة.
ولاشك ان عودة البعض من المهاجرين الذين حالفهم الحظ بسيارات فخمة
خلال العطلة الصيفية لاثبات الذات وتجسيد النجاح فى مغامرتهم فى
الخارج ساهم فى تعقيد المزيد من الشباب نفسيا بل وفى بعض الحالات اصبح
الاب والام يشاطران ابنهما نفس الحلم ويضحيان بكل غال ونفيس لمساعدته
على الهجرة طمعا فى الثروة وتحسين الوضع الاجتماعى والاقتصادى للاسرة
باكملها.
ففى بعض القرى والمناطق اصبحت هجرة الشباب الى اوروبا موضة
وتقليدا حيث لاتخلو بيت من مهاجر واحد على الاقل فى حين اصبحت المراة
المهاجرة من الاسرة هى السند فى البحث عن "فتاة الاوراق الثمينة
النادرة" لقريبها الشاب الحالم بالهجرة وكذلك فى الايواء ومد يد
المساعدة فى البداية عند الوصول الى وطن الاحلام.
ولم يعد الحلم بالهجرة وتحقيق الثروة فى فرنسا يقتصر على الشبان
بل اصبح يراود ايضا العديد من الكبار بل وحتى من الفتيات اللواتى
اصبحن يتفنن خلال العطلة الصيفية فى صيد الشاب المتجنس المقيم فى
اوروبا او سائحا اجنبيا للزواج منه من اجل الحصول على تاشيرة السفر
والهجرة حيث ان عوامل الوضع المهنى والاجتماعى وفارق السن اوالمستوى
الثقافى لم يعد لها اى وزن فى هذا النوع من الزواج بالذات الذى يمنح
الاولوية "للاوراق" قبل الاخلاق
وتحولت الهجرة ايضا من ظاهرة اقتصرت فى البداية على الشاب الحالم
بالثروة الى مشكلة تؤرق الاولياء الذين غالبا ما يضعهم ابناؤهم امام
الامر المقضى بالفشل المتعمد احيانا فى الدراسة لاجبارهم على دفع
الثمن العالى لاقتناء تاشيرة الهجرة الثمينة اذا توفرت او اللجوء الى
تزويج الابن المرشح للهجرة من فتاة من الاقارب متجنسة بجنسية اوروبية
ومقيمة فى الخارج او بزواج وهمى من امراة اوروبية مقابل مبالغ مالية
طائلة كى يتمكن من الحصول على وثائق السفر.
وفى حالة عدم توفر هذين الحلين لايبقى امام الشاب المولع بالهجرة
سوى المقامرة برحلة بحرية سرية مع احد مهربى المهاجرين يصعب التكهن
بنهايتها التى غالبا ما تكون الموت اوالايقاف او الاعتقال التحفظى فى
احد معسكرات تجميع المهاجرين غير الشرعيين فى ايطاليا علما وان البعض
من هؤلاء المغامرين حالفهم الحظ وتمكنوا من بلوغ الهدف فى بلد الاحلام
الزائفة.
وتاكيدا على قيمة "زواج الاوراق" للشاب المحظوظ المرشح للهجرة
اصبح يطلق على قسيمة مثل هذا الزواج من فتاة تونسية متجسنة اوروبيا او
اوروبية اصلا "شهادة دكتوراه " فى اوساط الشبان المولعين بالهجرة نظرا
لان هذه الوثيقة اصبحت فى نظر العديد منهم المفتاح للابواب التى لم
يتمكنوا احيانا من فتحها بالشهادات الجامعية لاسيما فى ضوء تفاقم
البطالة الاكاديمية فى تونس وهو تطور طبيعى فى بلد بلغت فيه نسبة
التمدرس حوالى 100 فى المائة.
ولاشك ان عودة البعض من المهاجرين الذين حالفهم الحظ بسيارات فخمة
خلال العطلة الصيفية لاثبات الذات وتجسيد النجاح فى مغامرتهم فى
الخارج ساهم فى تعقيد المزيد من الشباب نفسيا بل وفى بعض الحالات اصبح
الاب والام يشاطران ابنهما نفس الحلم ويضحيان بكل غال ونفيس لمساعدته
على الهجرة طمعا فى الثروة وتحسين الوضع الاجتماعى والاقتصادى للاسرة
باكملها.
ففى بعض القرى والمناطق اصبحت هجرة الشباب الى اوروبا موضة
وتقليدا حيث لاتخلو بيت من مهاجر واحد على الاقل فى حين اصبحت المراة
المهاجرة من الاسرة هى السند فى البحث عن "فتاة الاوراق الثمينة
النادرة" لقريبها الشاب الحالم بالهجرة وكذلك فى الايواء ومد يد
المساعدة فى البداية عند الوصول الى وطن الاحلام.
ولم يعد الحلم بالهجرة وتحقيق الثروة فى فرنسا يقتصر على الشبان
بل اصبح يراود ايضا العديد من الكبار بل وحتى من الفتيات اللواتى
اصبحن يتفنن خلال العطلة الصيفية فى صيد الشاب المتجنس المقيم فى
اوروبا او سائحا اجنبيا للزواج منه من اجل الحصول على تاشيرة السفر
والهجرة حيث ان عوامل الوضع المهنى والاجتماعى وفارق السن اوالمستوى
الثقافى لم يعد لها اى وزن فى هذا النوع من الزواج بالذات الذى يمنح
الاولوية "للاوراق" قبل الاخلاق
وعلى الرغم من ان الشباب لا ينظرون سوى لقلة من الذين اسعفهم الحظ
وعادوا على الاقل سالمين الى الوطن بسيارة فى متناول الجميع فى اوروبا
فان الجهل بالظروف القاسية والمعاناة الشديدة فى بلاد الغربة يدفع
العديد من الشبان الى التشبث بهذا الخيار الوهمى الذى يؤدى حتى فى
حالة النجاح فى الهجرة غير الشرعية الى المنفى الاختيارى وبمحض
الارادة والى مجازفات بالجملة للكسب المشروع وغير المشروع لاثبات
الذات والعودة بالسيارة الفخمة المنشودة "عنوان النجاح" ولتعقيد المزيد
من الاطفال والشبان الذين لا هدف لهم سوى الهجرة ثم الهجرة ثم الهجرة.
وبعد ان كانت الهجرة الاقتصادية هى الحل المؤقت لمواجهة اوضاع
ظرفية افرزتها الحقبة الاستعمارية والحرب العالمية الثانية اصبحت الان
وضعا دائما يتسبب فى عديد الاشكاليات والتعقيدات سواء للبلدان المصدرة
للعمالة او للدول الاوروبية ذات الوجاهة المستقطبة للمهاجرين والتى
ستكون فى اسوا الحالات هى المستفيد الرئيسى من هذه الظاهرة على المدى
المتوسط والبعيد.
وقد نسب الى الرئيس الفرنسى الراحل شارل ديغول قوله فى احدى
المناسبات ردا على احد السياسيين المناهضين لحركة الهجرة المكثفة الى
فرنسا "ان ما ينقله الاباء المهاجرون حاليا من ثروة الى بلدانهم
الاصلية سيعيده ابناؤهم واحفادهم الى فرنسا فى النهاية" فى اشارة الى
الذوبان التدريجى والانصهار القسرى لفئة المهاجرين لاسيما من الجيل
الثالث والرابع فى المجتمعات المضيفة بما فى ذلك المجتمع الفرنسى.
وبحكم نظام العولمة اصبحت الهجرة بابعادها واشكالياتها المختلفة
قطاعا علميا مثل بقية القطاعات الاخرى لابد من التعامل معه على هذا
الاساس كالصحة والتعليم والتربية والثقافة لان ظاهرة الهجرة ستحدد
بشكل او باخر مصير الكثير من المجتمعات العربية والدول النامية الاخرى
التى ستعانى لاحقا من هذا النزيف المستمر فى الطاقة البشرية من جهة
والدول المضيفة المهددة بعديد المشاكل الاندماجية الثقافية والسياسية
والدينية والعرقية الناجمة عن الهجرة على المدى البعيد من جهة اخرى.(كونا) |