طوال أسابيع مضت شهد اليمن معارك كبيرة بين أنصار المتشدد حسين بدر
الدين الحوثي والجيش اليمني، وقتل في هذه المعارك المئات من الجانبين
بينهم الحوثي نفسه، ودمرت عشرات المنازل ونفقت الكثير من الحيوانات...
ولسنا بصدد بيان الخسائر التي تعرض لها الجانبان في تلك المعارك، ولكن
ربما نحتاج لبيان التناقض والازدواجية اللذان رافقا التغطية الإعلامية
لها.. فالإعلام العربي لم يتناول هذه القضية كما يتناول الشأن العراقي
ولم يفرد لها لقاءات وحوارات وسجالات ساخنة كما يفعل كل يوم حين يتعاطى
مع الشأن العراقي...
في أزمة النجف اتهمت فضائيات ومثقفون عرب الحكومة العراقية باستخدام
القوة ضد ( الشعب العراقي)... وليس في أزمة النجف وحدها بل أينما
استخدمت الحكومة العراقية القوة سارعت دوائر إعلامية عربية وإيرانية
لاتهام الحكومة العراقية بالتعسف في استخدام القوة ضد العراقيين..
ولكن ذات الأمر حين يحدث في أي بلد عربي وإسلامي آخر نجد ذات الإعلام
يتعامل معه بطريقة أخرى تحترم الخصوصية الوطنية لذلك البلد من منطلق
اعتبار الحدث شأنا داخليا له..
هذه بكل تأكيد مفارقة أو مغالطة سياسية وإعلامية، إذ لا بد للدول كي
يستقيم سلطانها وتنهض بمسؤولياتها تجاه مواطنيها، لابد لها من سطوة
وقوة عاقلة، فليس كل استخدام للقوة هو خاطئ وسيء وتعسفي طالما ليس كل
الناس أسوياء، وإلا لما خلق الله تعالى الجنة والنار وهدد وتوعد
المخطئين في كثير من آيات القرآن الكريم.. ولكن الاستخدام المفرط للقوة
وتجاوز القانون والاعدامات العشوائية والتغييب في السجون دون محاكمة
والعقاب الجماعي وتهديم البيوت واستخدام الأسلحة المحرمة ضد المواطنين
وغير ذلك مما فعل صدام حسين هي الممارسات التي يجب أن ترفض، وللأسف هذه
لم ترفض حين كان صدام يمارسها ضد شعبه من قبل بعض الإعلام العربي وبعض
المثقفين العرب الذي نصبوا أنفسهم مدافعين عن الشعب العراقي، بحجة أن
ما كان يجري شأن داخلي، ولا ندري لماذا لايعد الشأن العراقي اليوم
داخليا، ولماذا يصر كثير من إعلاميي أبناء العمومة، والفضائيات العربية
والإيرانية وتلك المدعومة من إيران على استباحة الشأن العراقي بهذه
الطريقة؟.
حين تعجز الوسائل السلمية عن حل معضلة أمنية وحين تهدد جماعة مسلحة
تمتلك أنواع الأسلحة الخفيفة والمتوسطة والثقيلة أمن أي بلد لا بد من
تدخل الحكومة لوضع حد لممارسات تلك الجماعة ووجودها المسلح، فالدول
كأنظمة قانونية وسياسية لا تتحمل وجود جماعات وميليشيات مسلحة لاتخضع
لسيطرتها، ولو أن ما حدث ويحدث في العراق قد حدث في أي دولة عربية
وإسلامية تحديدا لرأينا ردة فعل تلك الدولة أعنف من ردة فعل الحكومة
العراقية، وليس ببعيد ماحدث في طهران عام 1999 فيما سمي بــ(أزمة
الطلبة) حين استخدمت الشرطة الإيرانية أسلحتها في اقتحام الحرم الجامعي
لجامعة طهران وقتلت العشرات منهم، رغم أنهم لم يحملوا السلاح بوجهها،
إنما خرجوا في تظاهرات سلمية ضد سياسة الحكومة..
الحكومة السورية فعلت الشيء ذاته في حمص وحماه مطلع الثمانينات من
القرن الماضي، والأردن أقدم على فعل مماثل قبل أعوام فيما عرف بـــ(
ثورة الخبز)، والمملكة العربية السعودية تطارد منذ أعوام عناصر القاعدة
وتقتل من وقت لآخر عددا منهم. ولو كنا بصدد تعداد ما حدث من أعمال
حربية كانت (الدولة) عربية أو إسلامية طرفا فيها لاحتجنا لصفحات وربما
لكتب، ولكن من المؤكد أن كل الدول التي ينتقد إعلامها اليوم الحكومة
العراقية لاستخدامها القوة ضد جماعات مسلحة عراقية وغير عراقية على
أراضيها قد لجأت إلى نفس الأسلوب في يوم ما لمعالجة أزمات داخلية..
ولسنا هنا بصدد استنكار تصرف تلك الحكومات تجاه أمنها واستقرارها، ولكن
ما يجدر استنكاره هـو إزدواجية التعاطي مع هذه القضايا حين يتعلق الأمر
بالعراق، فكما من واجب كل الدول أن تحفظ أمن مواطنيها، على الحكومة
العراقية أن تفعل ذات الشيء، وطالما هي غير مؤهلة من الناحية العسكرية
فعليها الاستعانة بطرف ثالث.. هذا الطرف لا يمكن أن يكون عربيا
وإسلاميا طالما الحكومات العربية والإسلامية بهذه السلبية، لذلك لا بد
من التعاطي مع الأمر الواقع( القوات متعددة الجنسيات)، وإلا فما هو
البديل الذي يبتغيه بعض الإعلام العربي والإيراني للخروج من التهديد
الأمني الخطير في العراق؟.. خروج القوات( المحتلة) أم خروج( الميليشيات
المحتلة)؟!..
بكل تأكيد أن عاقلا لا يقبل بسيطرة مجاميع المسلحين على أي مكان في
العالم فضلا عن العراق، لأن ذلك يتعارض وحقوق الإنسان في الأمن
والطمأنينة والكرامة، وقد صدم العراقيون قبل غيرهم ببشاعة أعمال
الجماعات المسلحة التي تقتل العراقيين بدم بارد وتشوه أطفالهم وتدخل
الحزن بالقوة ودون مبرر لبيوتهم، فضلا عن أن هذه الجماعات لا تملك
خيارات سياسية وليس لديها منطق واضح ولا برنامج سياسي، والأخطر أنها
شبكات ضبابية ليس لها رأس معروف يمكن أن يُتفاهم معه، ولكن يبدو أن بني
قومنا قرروا إحراق العراق بغضا بأمريكا، ونسوا أن العراق ليس ولاية
أميركية، وعودة إلى مقدمة الموضوع، أقول كيف هي ردة فعل الإعلام العربي
لو أن ( السيد مقتدى الصدر) قتل في مواجهات النجف؟ هل تتعاطى مع الحدث
مثلما تعاطت مع مقتل حسين الحوثي، أم ستلطم على رؤوس العراقيين وتشق
جيوبهم؟!.. |