في غاية احترام وجهات نظر الآخرين سمة حضارية ولكن من أعسر ما يمكن
أن يكون عليه تقييم كل حالة حين يشعر المرء السوي أن المقابل يخادع في
ماهية رأيه فبدلاً من أن يكون ذاك الرأي صائباً كـ(مبادرة إصلاح) لكنه
قد يخفي أمراً خطيراً قد تكون مواجهته أو مواجهة نتائجه مستقبلاً وخيمة.
قديماً قال العرب المسلمون عبارتهم الشهيرة (كلمة حق يراد بها باطل)
التي تعود أصلاً إلى الإمام علي (عليه السلام) حين قال تلك العبارة رداً
على ما قاله المحرّف والمحتال السياسي معاوية بن أبي سفيان حين شعر بأن
جيشه في معركة صفين قد أخذ يتقهقر وأخذ رجاله بحسب الخطة التي وضعها
لهم بأن يرفعوا نسخ القرآن الكريم ويطالبوا بالاحتكام لما جاء به كلام
الله فجاء رد الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) بأن في الأمر حيلة
مبطنة أنقذ معاوية نفسه وجيشه من هزيمة محققة ستلحق به وبعساكره وكانت
تلك العبارة - كلمة حق يراد بها باطل – خير وصف تحليلي لما كان.
من مصاعب المحادثة إذا ما سادها شيء من التعنت وتم إطلاق الكلام على
عواهنه ففي ذاك يضيع تحقيق أي إنجاز معنوي بين طرفي الحوار أو متبادلي
الكلام إذ من الثابت أن حالة الدخول في خضم المناقشة مع الغير الذي هو
في المصطلح الأدبي – الثقافي (الآخر) دون التمتع بالقناعة الشخصية
الميقنة ان إنهاء أي تبادل كلامي بين اثنين لا بد وأن ينهي الغاية من
الكلام المجرد إلى تقريب الأفكار وربما تبني ما يطرحه المقابل حيث من
الموضوعية الفائقة أن يكون كل (محاور – مناقش) حاملاً لمبدأ الاعتراف
بصحة (رأي المقابل إذا ما لاحظ ذلك فعلاً ففي ذاك من الشجاعة الأدبية
ما يمكن أن يقيم عليه المرء المقتنع ما دام الآخر قد وصل إلى الحقائق
الأنصع في الموضوع الذي يتم بحثه بين المتحاورين سواء كانوا أثنان أو
أكثر من ثلاث أشخاص بل وربما كان بذاك ضمن اجتماع أو لقاء وحتى مؤتمر
عام.
إن في توظيف العقل لصالح قول الحقيقة سجية محمودة أن يحدث أن يعقد
المرء الآمال على من يحاوره وهو على ثقة أن كلمة (المستحيل) ليست دائماً
تشهر فعلها السلبي اتجاه الآخرين فلعل من أفضل آفاق تجارب الحياة هو
تخطي العقبات بمختلف أشكالها والتي من مخاطرها عدم الدقة في الطرح ففي
ذاك صرخة نشاز ما ينبغي أن تنطلق في أي نقاش خاص أو عام. فالمجتمعات
البشرية ما زالت بحاجة كي تتخطى واقعها الثقافي عبر تفعيل نشاطاته بما
يخدم مسيرة استيعاب الحياة بطمأنينة وسلام.
ولإنجاز الغاية من أي حوار ليفضل عدم الإطناب في توضيع الحقائق
مادام من المعلوم أن أي حوار بحاجة إلى مهلة مناسبة لا بد من استغلالها
دقيقة بدقيقة فنشر مفهوم الحوار الإيجابي بين بني البشر أمر محبب ويفتح
الآفاق الحتمية نحو بحث المشاكل التي قد تتعرض أي جانب من جوانب الحياة.
إن واحة الفكر غالباً تزيد التحبب لذوي العقول الراجحة والمواقف
العادلة الذين يوصلون أفكارهم إلى الغير بعيداً عن أي تطرف كلامي ولعل
من الأخطاء التي أمست ظاهرة في المجتمع الثقافي حين يحاول البعض مصادرة
رأي الآخر وربما خلع المقابل المختلفين معه في الرأي من مكانه، إذ بذاك
يكون الحوار قد فقد مبرر إثارته وظهر سر المتلاعب بالكلام الذي يحاول
أن لا يكون (الخاسر) أمام الآخر مع أن في توضيح الحقائق ليس هناك رابح
أو خاسر. |