يتكئ كانط، عملاق الفلسفة في علم الأخلاق، على الشعور الذي يمكن
تصنيفه بالخبير المؤدب، وحصراً الذي يكمن في احترام الآخر ومراعاة
كرامته، تلك الكرامة التي لا تتجسد إلا بالاعتراف لكل إنسان بشخصيته
العاقلة والحساسة والقانونية، ويخطئ من يظن أن حقوق البشر والإنسان فقط
هي التي صاغها الفرنسيون عام 1789 أول شرعة لحقوق الإنسان في العالم،
بل وتشعل كل صاحب دعوى منسيه وكل مريض لا تسمع ظروفه الاقتصادية
بالاستشفاء، وكل متظاهر يضطهد، وكل إنسان سحبت لقمة عيشه من فمه، يقول
الفيلسوف المعاصر كلود لوفور أن لا محتوى لفكرة الإنسان في ذاتها إذا
لم يكن هناك اعترافاً لشخصه بتلك الحقوق فيركز أن دراسة لحقوق الإنسان
قد صنفت حقوق الإنسان لملمحين الملمح الاول الحق في الحياة والحريات من
جهة، والحقوق السياسية والاجتماعية والاقتصادية، مثل الحق في الاقتراح
والعمل والسكن والإعانات العائلية الخ.. ومن جهة أخرى ففي حال البطالة
إجمالاً في الدول التي تحترم نفسها ومواطنيها والعودة دائماً إلى
الاحترام تؤمن الحكومات مساعدات مالية شهرية للعاطلين عن العمل ريثما
يجدون عملاً، أما فاتورة الضمان الاجتماعي فتصل إلى باب البيت في صندوق
البريد دون التعرض للإذلال، ففي قراءة لواقع الحال في المجتمعات
العربية، الحقوق والواجبات غير معرفة وغير معلنة وغير مطروحة بشكل دائم
إذ أن المشهد العام لحال المواطن العربي يتذكر واجباته فقط في بعض
الأحيان لانتخابات محلية، انتخابات مركزية، ومتروك كل قضايا مجتمعه
ودوره البحث عن سبل المشاركة المجتمعية باعتبارها خاصة لمجتمعات غير
مجتمعاتنا ومما يسمح لبعض المفكرين والمثقفين بالحديث عن ثقافة القطيع
أو سياسة رؤوس الملفوف أو أحزاب كرتونية – أو أحزاب عائلية تزيد تقسيم
المجتمع أشكالاً، وصعوبة في التعبير عن هويته بل عن أهم مفاعيل الشخصية
الفاعلة التعريف بالحقوق وسبل العمل بها والواجبات الضرورية المطلوب
تأديتها، وما حال الأفقار المجتمعي السائد في عالمنا الإسلامي إلا
بداية لإغراق مصطلح الحقوق والواجبات بالضبابية ومحاولة تجاوزها تارة
بالشعارات والواجبات غير قابلة للتحقق (لتدفع الأوهام) قسم كبير من
المجتمع إلى النزوع نحو تجاوز إنسانيتهم بطريقة تدفعهم إلى الخروج عن
القانون، بالمفهوم الحقوقي، أو العمل على عدم احترام القانون، أولاً
بسبب تغييبه والاقتصار على حضوره في قضايا الزواج والطلاق الخ..
فمن المؤكد أن الحضارات المتعاقبة.. وخاصة الحضارات الإسلامية في
فترة تأسيسها أكدت على أهمية تعريف الفرد على حقوقه وواجباته، ودفعت
باتجاه تنظيم حياة الفرد والجماعة بما يعكس مصالح الطرفين دون استقلال
أو استهتار بوجوده، والأهم في ذلك أنها وضعت الفرد ومكانته في المجتمع
عبر تفاعله الإيجابي مع محيطه وضرورة مشاركته في مصيره وحياته.
Bissam-z@yahoo.com |