المشهد السياسي في العراق ونتيجة لمؤشرات كثيرة على الصعيد السياسي
والثقافي والاقتصادي اضافة الى العامل الامني داخليا والخارجي اقليميا
ودوليا فانه سيبقى يعيش حالة من الارتباك المشروع ، ذلك الارتباك
المتوقع بقاءه على المدى القريب وحتى المتوسط هو نتيجة طبيعية لمعطيات
مهمة تشكل حساسية كبيرة في الحالة العراقية ولها مدخلية بشكل او بآخر
في الملف السياسي في العراق اهمها ما يلي:
* الفراغ التاريخي للتجربة الديمقراطية ان اهم الاسباب التي تقف وراء
الارتباك الحاصل في العراق على الصعيد السياسي والامني هو سبب منطقي
نواته عدم توفر الارشيف الديمقراطي في الدولة العراقية الحديثة لغياب
الحياة الديمقراطية طيلة فترات الحكم السابقة (مع الاحتفاظ بنسبة
التفاوت لتلك الفترات) مما يعني ان الجميع في طور الحظانه ومن ثم
فالتيارات السياسية قبل غيرها لحد هذه اللحظة لا تجيد ادوارها بشكل
مطلوب مما يعني ارتفاع نسبة ارتكاب الاخطاء الذي يؤدي بدوره الى خلق
ازمات تنتهي في العديد من الاحيان بالتصعيد العسكري وبالتالي زعزعة
الحالة الامنية المتزعزعة اصلا ... اخطاء تقع فيها القوى السياسية قد
تكون مشروعة بحكم انطلاقة البداية
المحفوفة بالمخاطر في طريق تتخلله صعوبات كثيرة.
* غياب الطبقة المتوسطة مستقبل البنية الديمقراطية في العراق يبحث قبل
كل شئ عن ارضية وعي قوية تشكل له انطلاقة مقبولة لحالة النمو الطبيعي
فالديمقراطية وكما هو المعروف ليست قرار سياسي بل ارادة جماهيرية نابعة
عن وعي واحساس بالمسؤولية وبما ان الطبقة المتوسطة على الصعيد الثقافي
والوعي السياسي بشكل خاص لها غياب حقيقي فهذا يعني حضور ديمقراطي في
العراق يمشي على استحياء ولا يلبي الطموح ، وهذا ما له استحقاقات خطرة
جدا على مستقبل العراق في المدى المتوسط والقريب فان من المعروف ان
توفر طبقة متوسطة واعية ومنضطبة وعقلانية يعني توفر اجواء يسودها
الهدوء والاسقرار وهو غاية منشودة لكل مواطن في العالم.
* الصنمية السياسية والتركات الثقيلة المرحلة السابقة خلفت على كاهل
العراق تركة ثقيلة على مختلف الاصعدة ، لا نتطرق هنا الى الخدمات
العامة او البنية التحتية فتلك لها وقفة اخرى بل اتحدث عن الاصنام
السياسية التي فرضتها طبيعة المرحلة مما يعني بالضرورة تواجدها على
الساحة السياسية مع انها اوراق محترقة وبالية مضى عليها الزمن تلك
الاجواء فرضت بالنتيجة نموذج المحاصصة الطائفية في التوزيع السياسي
للمسؤوليات علما ان المحاصصة الطائفية في واقع من هذا النوع سوف تكون
هي الحل الامثل من اجل تطويق دائرة النزاعات السياسية والحروب الاهلية
اي ان سياسية الامر الواقع الان في العراق تفرض توزيع المناصب وفقا
للمحاصصة الطائفية على حساب الكفاءات والاعتبارات الاخرى والا سوف يحصل
ما لا يحمد عقباه وهذه الحال قد تستمر لفترة ليست قليلة تتراجع بعدها
تلك الاعتبارات فتبدأ شخوصات وكفاءات جديدة اخرى بالظهور شيئا فشيئا
حينها يمكن الاطمئنان للحركة الديمقراطية في العراق.
تلك الاسباب الثلاثة المهمة هي بالتاكيد ليست فقط ما يقف في طريق
المسار الديمقراطي في الملف السياسي العراقي لكنها بالنتيجة تبقى اهم
الاسباب التي تعيق الحالة الديمقراطية من الداخل العراقي ومالم يتم
البدأ في معالجتها (مع الاعتراف مسبقا بصعوبة الهدف) فأن الاخطاء
ستتكرر ونبقى ندور في دائرة مفرغة.
mosawi_gamal@hotmail.com |