(العادة طبع ثان) الإمام علي بن أبي طالب
(عليه السلام)
ترك العادة ليس بتلك السهولة التي نتصورها، لأنها ربما رافقت
الإنسان مدى عمره فتصبح طبعاً ثانياً من طباع الإنسان الغير قابلة
للتغيير والتبديل خصوصاً العادات المسايرة وهوى النفس كالعادات القبيحة
السهلة الارتكاب، فإنها إذا ما أصبح لها موطئ قدم راسخ، تتغلغل في
ثنايا التصرفات الحميدة تغلغل الورم الخبيث في الجسم العليل!! ويصعب
تمييزها عن العادات الحسنة، حينها يحتاج المقاوم لها إلى وقت طويل،
وجهد دائب، لكي يتمكن من القضاء عليها القضاء المبرم.
هذا ما يجب أن يعرفه جيداً كل مرب سواء أكان أباً أو أماً أو
مدرساً، إذا أن معرفته ووضعه نصب الأعين يقوي من فعالية المراقبة
المستمرة في بداية عمر الطفل، وهو شيء يجعلها – المراقبة – كفيلة
بإزالة الطفيلي من العادات في بداية عهده بالحياة، إذا لم نقل عدم
السماح له بالبروز أصلاً، وذلك بوضع حد للموارد التي يتغذى عليها
كالإهمال المفرط، وغياب الإرشاد الدائم، وفي الوقت الملائم.
ومن هاتيك العادات القبيحة التي تبدأ صغيرة جداً إلى درجة أنها لا
تثير الاهتمام ولا تظهر خطورتها وبشاعة صورتها إلا بعد كبرها، نذكر
التصرفات غير اللائقة التي تلوح بجلاء في سماء المتحاورين والمتناقشين،
فتعكر الأجواء، وتعجل في أحايين عديدة بوضع نقطة النهاية للحديث، أو
الخروج به عن اللياقة والأدب. من قبيل مقاطعة السامع للمتكلم دون أن
يكمل كلامه، لا بل جملته الأولى، ومن قبيل جمع المتتبع لشتات أفكاره من
أبعاد سحقيقة! في الوقت الذي يكون فيه المتحدث يسعى جاهداً إلى طرح
وجهة نظره، ويرغب في سماع الرأي الآخر بخصوصها.. ومن قبيل تتبع أحد
الجلساء للكلام والحديث حوله محتدم، دون أن يجد القدرة الكافية والجرأة
اللازمة لإبداء رأيه الذي يحس به يتفاعل في أعماقه لكنه لا يجد منفذاً
للخروج!
ومن قبيل تعصب كل متحاور لرأيه مهما بدت فداحة أخطائه وبعده عن جادة
الصواب، ومن قبيل حديث أكثر من متحدثين في وقت واحد، إما في شكل تداخل
مواجات الأثير، أو في شكل إعلان كل متحاورين أو ثلاثة الاستقلال الذاتي
مما يساهم في تقسيم الجماعة الواحدة إلى جماعات صغرى. وهذه غيض من فيض
من العادات المخزية والمشينة إذا عرفنا أهمية الكلمة والحوار في حياة
الإنسان، لأن تغلغل هاته الطفيليات في حديث المتحدثين تجعل كل حوار
متبادل بدون نتائج مرجوة. إذن فمهمة المربين لأنهم أخذوا على عاتقهم،
إن في الأسرة أو المدرسة تدريب الطفل على آداب الحوار والنقاش جنباً
إلى جنب مع تدريبه على آداب الجلوس والأكل والنوم، وما إليها، سوف لن
يسمحوا لها بالطفوح على السطح، وبالتالي النمو والترعرع كلما تقدم سن
المتربي.
فالأم والأب اللذان تطبع أحاديثهما الأسرية روح الهدوء والتدخل في
الوقت المناسب، وإصغاء الواحد منهما لوجهة نظر محدّثه، والتعليق عليها
بالموضوعية التامة، والبعد عن الانفعال الزائد، يقدمان بلا ريب درساً
مباشراً في آداب الحوار لابنهما الجالس بجانبهما، لذلك فهو سيشب على
توفير مثل هذه الأجواء في كل حوار يكون واحداً من أقطابه.
لأن للتربية بالقدوة أحياناً مفعولاً طويل الأمد تعجز عن تحقيق مثله
مئات المواعظ والتوجيهات والنصائح!!
فالأسرة والمدرسة أرضيتان خصبتان لزرع كل صالح من آداب الحوار
والنقاش شريطة أن تستغل كل الفرص لزرع البذور، وتؤخذ جميع الاحتياطات
لمراقبة ورصد العادات الطفيلية حتى تتم محاربتها عندما تهم بشق الأرض
متطلعة للخروج إلى حيز الوجود، لا بعد أن تزهر. |