حققت الحكومة العراقية المؤقتة خلال الأسبوع المنصرم أكبر انتصار
معنوي حين استطاعت قواتها العسكرية بدعم من قوى المحتلين للبلاد
الإنكليز والأمريكان حين استطاعت القوات الحكومية والقوات المحتلة من
فرض وجودهما بمدينة النجف التي شهدت مؤخراً مجابهات دامية مع
الميليشيات المعارضة – كما يبدو – لما هو مفروض من واقع سياسي وعسكري
على أرض العراق.
لقد استطاعت حكومة إياد علاوي من فرض سيطرتها على مدينة النجف بعدما
اقتحمت قوات حكومته المدينة المقدسة بصورة اضطرارية أثر ما فشلت كل
الوساطات والوسطاء من الحصول على موافقة قيادة تلك الميليشيات لتسليم
سلاحها دون قيد أو شرط إلا أن تطورات الموقف العسكري لصالح جانب
الحكومة المؤقتة قد أدى اختيار تلك الميليشيات مكان مقام الإمام علي (عليه
أفضل الصلاة والسلام) في المدينة ليكون ملاذاً آمناً لتلك القوات
الميليشية التي أذعنت أخيراً إلى أن الطريق إلى تفهم أفضل للمرحلة
السياسية – التاريخية الراهنة لا يتم عبر جعجعة السلاح بل عن طريق لغة
الحوار والاحتكام إلى العقل بدلاً من سفك الدماء ضمن منازلة عسكرية
ظاهر فيها رجحان كفة الإمكانيات العسكرية التسليحية عند طرف الحكم حيث
أظهرت ذلك بشكل بائن من تقدمها حتى إلى أزقة المدينة القديمة – النجف –
الذي يقع فيه مقام أمير المؤمنين (عليه السلام) وإذ تخلل القيام
بالعمليات العسكرية للقوى النظامية الحكومية المدعومة من قبل الاحتلال
لمدة قاربت الأسبوع إلا أن إلقاء القبض على عناصر من الميليشيات الذين
تجاوز عددهم العشرات في منطقة النجف والتأكد من جنسياتهم الأجنبية و
عدم إجادة البعض منهم للغة العربية فقد بان أن هذه الميليشيات قد
اخترقت في صميم عراقيتها خصوصاً وأن العدد الرئيس من تلك القوى
الميليشية قد تبين أنهم من عربان دول الجوار وبلدان عربية وإسلامية
أخرى بعيدة عن العراق ممن غررت بهم جهات سياسية عربانية يقودها
الاستعمار من أجل زيادة الضغط على الشعب العراقي الذي ما زال يسموه في
قاموس تسمياتهم بالشعب الشقيق والشعب العراقي براء منهم وممن أرسلهم من
أولئك العربان الغربان رموز خونة الشعب العربي في بلدانهم الذين
يطالبون (كما يدعون) أن تعود السيادة للعراق مع أنهم يعرفون جيداً أن
تلك السيادة قد جيرت تماماً لصالح الاستعمار منذ أول يوم من انقلاب
1968 وما العنتريات التي كان النظام الصدامي السابق يبيعها في أسواق
الإعلام العربية لإبرازه وكأنه ضد الاستعمار والصهيونية إلا أضحوكة تم
تمريرها على المغفلين عن الشأن السياسي.
إن عودة الأوضاع الطبيعية لمدينة النجف بقدر ما يشوبها الحذر الآن
فإن الوضع مازال يحمل خطر التفجر بأي لحظة في المدينة إذ أن الأمر لا
يتعلق بأن من سلم سلاحه، قد انتهى موقفه الإرهابي أو من قام بالهجوم
على أبرياء الناس على أساس حسابات (الجانب العرضي) في كل حرب تحدث هي
مبررات لا تكفي فإذا ما صدر الأمر الاستعماري للمخترقين المتنفيذين
فسوف يقوموا بافتعال أوضاع جديدة مماثلة في العنف وليس بالضرورة آنذاك
أن يبرر أي تصعيد جديد فالمبررات كثيرة وجاهزة الإعلان عنها إذ أنها لا
تكلف سوى التلفظ بها.
ورغم أن آخر الأخبار تشير إلى أن أكثر من (500) عنصر من عناصر
الميليشيات التي كانت متواجدة داخل صحن ومقام الإمام علي (عليه السلام)
أثناء دخول قوات الشرطة العراقية إليهما وأن تلك العناصر قد سلمت
سلاحها بالكامل إلى قوات الشرطة بعد أن حصلوا على قرار بعدم التعرض لهم
وهذا ما تم فعلاً بعد أن رافق ذلك تسليم قيادة الميليشيات مفاتيح
المقام المقدس للإمام علي (عليه السلام) إلى مكتب السيد السيستاني في
مدينة النجف فلعل التوصل إلى هذا الاتفاق قد أنقذ المدينة من اقتحام
عسكري أكبر حسبما توقع العديد من المتابعين للشأن العراقي المشحون
بالانفجار أكثر وأكثر وبأماكن أخرى من العراق.
هذا وأفادت الأنباء غير المؤكدة حتى الآن أن الحكومة العراقية
المؤقتة بإسدالها الستار (كما يفترض أن يتم ذلك) على من سموا بالمقاومة
أن الفرصة قد أتيحت لهم ليشاركوا في العملية السياسية العراقية بعيداً
عن أي عنف إلا أن ذلك لا يستبعد تدشين العمل العسكري ضد بقايا وبؤر
التجمعات الارتزاقية في مدينة الفلوجة وسامراء وغيرهما ممن يدافعون عن
النظام الاستعماري الصدامي السابق تحت ادعاء أنه كان حكماً غير
استعماري.
ولزيادة ضبط الأوضاع الداخلية فإن دورة للشرطة الجدد الذين سيتخصصون
في كيفية مكافحة الشغب قد تم افتتاحها بإحدى معسكرات عمان في الأردن
استقبلت فيها مجموعة من الشباب العراقيين ومقام الدورة تحت إشراف
مدربين بريطانيين وراتب شهري مقدر لكل خريج بـ(120) دولار ولمدة شهرين
والسؤال الممكن إثارته هل أن بريطانيا (الطرف الرئيسي المحتل للعراق)
تقيم هذه الدورة المركّزة وتترك المشتركين بها دون اختراق ولو لعدد
منهم. |