أوضحت دراسة تحليلية في محور سؤال تسيس حقوق الإنسان إن المبادئ
التي تنطلق منها حركة حقوق الإنسان للحكم على الأمور تختلف في كثير من
الأحيان عن المنطلقات التي يستند عليها السياسيون ولذلك فقد تكون
مفاهيم هذه الحركة في بعض الأحيان غير مريحة للسياسيين، لأنها تفرض
عليهم عبئاً ومسؤولية وضغطاً، وتقلص من صلاحياتهم وتفرض عليهم رقابة،
وأحياناً تطالبهم بالتصادم مع بعض القوى (مراكز القوى) في المجتمع
المحلي والمجتمع الدولي والتي تقوم بانتهاكات صارخة لحقوق الإنسان، هذا
إذا استبعدنا السياسيين الذين هم أنفسهم مسؤولين عن انتهاكات صارخة
لحقوق الإنسان بسبب سوء استخدامهم لسلطاتهم، وأبرزت الدراسة ثمة من
يحاول تسيس حركة حقوق الإنسان، بمعنى الدعوة إلى عدم اقتصارها على
الرقابة ومتابعة التجاوزات والإشارة إليها، لأن هذا الأمر لن يغير شيئاً
على أرض الواقع ولن يتعدى الأمر عن كونه جدلاً عقيماً بين ناشطي حقوق
الإنسان ومن يرتكبون الانتهاكات ويدعي أصحاب هذه المدرسة بأن كشف
انتهاكات حقوق الإنسان يجب أن يبرر حركة ثورية تقوم بتغيير المجتمع
وتخليصه من المؤسسات التي تحمي منتهكي حقوق الإنسان، وفي الغالب فإن
أصحاب هذه المدرسة من الناشطين سياسياً وينتمون إلى أحزاب راديكالية
أصبحت خارج الضوء ووجدو في حركة حقوق الإنسان ملجأ لهم وهناك مدرسة
أخرى تدفع باتجاه تجنب حركة حقوق الإنسان القضايا السياسية وأن على
ناشطي حقوق الإنسان أن يلجأوا إلى الطرق الدبلوماسية حينما يتعاملون مع
مسائل سياسية، وذلك من أجل عدم الاصطدام مع السياسيين والذي قد يؤدي
إلى الانتقام من ناشطي حقوق الإنسان وتجميد نشاطهم، وأصحاب هذه المدرسة
حذرون جداً في تصريحاتهم ومن النادر تسمية الأمور بتسمياتها الحقيقة.
وأشارت الدراسة إلى أن من المهم أن حركة حقوق الإنسان لا مفر لها من
التعامل مع القضايا السياسية التي ينتج عنها انتهاكات لحقوق الإنسان،
وللعلم بأن أهم القضايا على أجندة حقوق الإنسان عالمياً هي قضايا
سياسية فالأجدى هو التعامل معها على أرضية حقوق الإنسان وليس المزاجية
السياسية أو إهمالها، فتسيس حقوق الإنسان تعني المزاجية في التعامل مع
قضايا حقوق الإنسان ولا تعني عدم تعامل حركة حقوق الإنسان مع أحداث ذات
طبيعة سياسية فمسألة حقوق الإنسان أعقد من أن توصف مع إحدى هاتين
المدرستين فحركة حقوق الإنسان لا مفر لها من التعامل مع القضايا
السياسية بحكم أنها إحدى مجالات حقوق الإنسان كالمذابح التي حدثت في
رواندا، أو العنصرية في جنوب أفريقيا، أو التعذيب وحالات الاختفاء في
تشيلي في السبعينيات، أو الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية، أو
العمالة المهاجرة في أوروبا أو السود في أمريكا، أو التطهير العرقي في
البوسنة وكوسوفو ولا مفر لحركة حقوق الإنسان من التعامل مع انتهاكات
حقوق الإنسان الحادثة ضمن حالة سياسية وإلا فإنها ستكون قد تخلت عن
واجبها، وتبقى آلية التعامل مع كل حالة تفرضها ظروف هذه الحالة والمتاح
من الآليات الدولية والمحلية، فحركة حقوق الإنسان أيضاً معنية بتطوير
الآليات الدولية والمحلية التي تتعامل مع الحالات السياسية التي تتضمن
انتهاكات صارخة لحقوق الإنسان، فمن غير شك أن هناك تطوراً في هذه
الآليات وطبيعة التعامل مع القضايا السياسية، وعلينا أن نفرق بين موقف
حركة حقوق الإنسان من القضايا ذات الطبيعة السياسية وبين آلية ومنهجية
التعامل مع القضايا السياسية.
Bissam-z@yahoo.com |