لكل امرء خصوصيته التي يريد أن تبقيه ضمن إطار التفتيش عن راحتها
بهذه الحياة المرتبكة في كل شيء إذ باتت المصارحة حتى لتلخيص بعض
الأمور في حال كتمان عند العديد من الناس القلقين الذين يعانون من
مكائد الزمان ولكن بـ(صمت) بسبب أنهم يجدون أنفسهم في مواجهات دائمة مع
منغصات أيامهم المتوالية التي لا تتيح لهم فرصة إثبات الذات بما يريده
هم.. لأوضاعهم الشخصية.
وإذ يبقى المرء في حالة دائمة يداري فيها قدره اللعين وهو المالك
جيداً لبصيرة الوعي يؤسفه وبألم دفين غير معلم أنه محاط (من حيث يرضى
أم لا) بمجتمع لا يتردد متطفلوه من مشاكسته لمعرفة ما لم يتعود أن يعرب
عنه وقائع مختزنة في ذاته ضمن خصوصياته المكتومة التي تحيط مشاعره
الداخلية بالظفر بالأمل الكبير ضمن خيالاته التي بدونها لا يمكن أن
يشعر بأي تفاؤل.
لذا فإن المرء الذكي الذي يتمتع بقدر نوعي من الشعور العظيم المعتد
بالنفس هو الذي يكون حريصاً بما فيه الكفاية لمراقبة جدار خصوصيته وعدم
السماح لأي متطفل أن يتجاوز حدوده ويحاول اختراق أي من مساحة ذاك
الجدار الحارس لتلك الخصوصية رغم أن ذلك يسبب له إرهاقاً نتيجة لمجادلة
عقيمة أو الانشغال بما لا يجعله متواصلاً مع مبادئه وأخلاقياته مع
الآخرين.
وبديهي جداً فإن كون المرء في صحبة دائمة مع الغير من النظراء فما
هو قد لا يطرأ بباله أن يصطدم يوماً ربما عن غير قصد بمن يوجه له سؤالاً
يشبه تلك الأسئلة التي يريد (زوار الفجر) معرفتها عن المرء حين يلقوا
القبض عليه، والاهتمام الطبيعي للفرد إذا لم يصب باتجاه احترام خصوصية
المقابل موضوعياً فهو اهتمام ناقص إن لم يكن معيباً على المتطفل البعيد
عن مراعاة الصحبة الحقة.
وتتحدث تجارب الأشخاص أن خصوصياتهم هي بمثابة ديوان سري لذات كل
منهم وقد يسهو المرء العاقل الحريص على بنائية علاقاته الشخصية
والاجتماعية.. لو تطفل بسؤال غير متوقع منه وبطبيعة الحال فإن رد الفعل
عند المقابل هو الذي يمكن أن يقدر فيما إذا كان ذاك السهو نابع عن نفس
عفوي ليس في غايته أي إساءة عليه وهنا يبرز الذوق عند المحتفظ بخصوصيته
كيف يتعامل مع مثيل هذه الحالات الاقتحامية إذ أن للتطفل أحياناً
فرائده اللافتة أو الغير لافتة للنظر فهذا عصر قد أضحى واسعاً في
المماحكات الاجتماعية وزاخراً في طريقة تنوع تعاملاته إذ يلاحظ أن
خصوصيات الإنسان المعاصر كـ(إنسان جديد) قد اخترقته العلوم ووسائلها
الموضحة فالمرأة التي لم يكن ينظر إليها غير زوجها في الفراش الزوجي
فضحتها تلك الوسائل حين عرتها عبر أشرطة جنحت فيها على مخلوق المرأة
لما أجازت تسليعها واخترقت رؤية أجزاء المحسوبية الحفاظ عليها ألف حساب
وحساب وبذاك فيمكن اعتبار مثيل هذه الإشارة لاختراق الجسد الأنثوي هو
اختراق عام يميت الشعور بأحلام الحياة وهكذا فما عند من يفكر بدقة ولا
يفكر إلا بمصلحة فارق فيه من الإساءة لـ(حرمة الخصوصية) بما لا يمكن
نكرانه.
والخصوصية التي يمكن وصفها بـ(قانون الذات) لها شروطها وخيلاؤها
وبدون توفر شرط براءتها فهي ليست خصوصية والإنسان المبدع في حياته هو
قبل أي شيء آخر مبدع في معرفة ذاته المشاركة الآخرين أفراحهم وأتراحهم
والخصوصية هنا هي النزعة المحورية التي يتحرك منها وإليها المرء السوي
الذي لا يعرف خيبة الأمل أبداً وربما دفن المرء وهو مازال يحمل في
ضميره كل آماله المشروعة مع التفاوت بين الأفراد والناس.
إن الحياة اليوم رغم كل الصخب فيها لكن لونها باهت لا يبعث على
تأييد الانفتاح الاجتماعي المغالى به ولعل في العودة إلى أحلام الطفولة
ما يمكن أن يبني العالم من جديد لا تجاوز فيه لا خصوصية الفرد ولا
خصوصية العائلة ولا خصوصية المجتمع فمثلهما خصوصية الفرد ممكن التعدي
عليها من الأصدقاء بمحاولة معرفة شيء منها فإن الجار المتطفل يحاول
اختراق خصوصية العائلة الجارة له أما على الصعيد الاجتماعي فإن شعور
وجهاء مجتمع عادي ما يدنوه عن مجتمع حضاري آخر يدفع هؤلاء الوجهاء
الذين هم وجهاء (الصدفة التاريخية) فيحاولوا إثبات امتلاك الوجاهة في
نهجهم ولعل في مثال سرقة أثار الغير وعرضها في بلدان غير بلدانها
الأصلية هو اختراق لخصوصية وتاريخ وحضارة البلدان المسروقة عنها تلك
الآثار وإن في مثال اختراق حرمة الخصوصية لحضارية أي شعب ورموزية أثاره
لن يضفي على معارض البلد السارق غير صنعة التجاوز واللصلصة. |