لا أحد يستطيع أن يتكهن إلى ما ستؤول إليه الأزمة العراقية الراهنة
جراء تدهور الأوضاع الأمنية والمناوشات العسكرية الجارية بمناطق مختلفة
من البلاد وفي مقدمتها ما يجري في مدينة النجف.
وتفيد الأنباء الواردة حديثاً أن قوات الاحتلال الأمريكية التي يشرف
عليها قادة بريطانيون أيضاً ضمن شراكة فرض الاحتلال من قبل القوات
الأنكلو – أمريكية على مناطق عديدة من أرض بلاد الرافدين التي ابتلت
بمصائر مشاكل لا أول لها ولا آخر بسبب الخيرات الهائلة التي تملكها
والتي يعود سببها لتحريك كل ما يجري الآن في العراق من تمثيليات فاشلة
من حيث التأليف والتمثيل والإخراج فالذي لا يفهمه الشعب العراقي أن
تصعيد أزمة المواجهة مع النظام القائم الآن الذي تقوده الحكومة
العراقية المؤقتة بدعم واضح من قبل قوى الاحتلال الأنكلو – أمريكية هي
مواجهة تفتقر سوء التوقيت فمن حيث المعنى العام فإن من يعتقد أن القوات
العسكرية للمحتلين لكونها قوات محتلة ويقدر أن هذا هو السبب الذي دفع
بقوات جيش الميليشيات إلى المواجهة مع القوات الأجنبية فهو خاطئ تماماً
إذ أن الأجدى بهذه المواجهة العسكرية الآن لو حدثت أثناء حكم نظام صدام
وفريقه السياسي المشبوه حيث كان ذاك النظام ممثلاً لتلك القوات الأنكلو
– أمريكية في صورة احتلال العراق اللامباشر سابقاً فقد كان الشعب
العراقي يعرف جيداً تلك اللعبة الشائنة التي ما تزال منطلية على عدد من
المواطنين الطيبين غير الواعين تماماً لما يجري خلف الكواليس السياسية
من أمور ستكشف أسرارها الأيام القادمة حتماً، وطبيعي فهذه ليس دعوة
لـ(قبول الاحتلال الأنكلو – أمريكي الجديد) على البلاد بل العمل على
فتح حوار معه في ظل أجواء سلمية هادئة يمنح خلالها إثبات حُسن نواياه
خلال فترة محددة وبموجب اتفاقية يغادر أثر انتهاء مدتها المحتلون من
أرض العراق إذ أن هذا هو الذي يدعوه الآن عبر تصريحات مكررة من قبل
قيادتي لندن وواشنطن.
والآن إذ يبدو المجال قد ضاق وأغلق فرصاً ثمينة للحوار كان ممكناً
لو تم أن تسبب إحراجاً لقيادتي لندن وواشنطن وتضع ادعاءاتهما على المحك
إلا أن مسايرة الأوضاع التي فرضتها القوات الأنكلو – أمريكية على عموم
الوضع العراقي الداخلي قد جعلت فصول اللعبة السياسية في العراق تبدو
أقل اتقاناً.. منها أن قوات الاحتلال العسكرية الأمريكية التي أوكلت
لها مهمة السيطرة على مدينة النجف وإنهاء قوات الميليشيات الشيعية فيها
أصبحت تحيط المدينة بأكثر من محور وجعلت منافذ المدينة ما يشبه بكماشة
لا يعلم نتائجها الأخيرة أي تكهن سياسي.
ورغم أن مدينة النجف القديمة تبدو الآن خالية من سكانها نظراً
لمغادرة أغلب مواطنيها لبيوتهم فإن قيادة الميليشيات من جانبها أصبحت
تهدد بنسف أنابيب النفط في الجنوب لمجرد أن تبدأ التحركات العسكرية
للمحتلين في الشروع لاقتحام المدينة في حين وتلافياً لنقمة الرأي العام
العراقي المهمل من المساس بمقام الإمام علي (عليه السلام) الواقع
بمدينة النجف القديمة فقد أدعت مصادر أمريكية في العراق أن اقتحام
القوات الأمريكية سيكون مرهوناً بالسيطرة على مناطق وإحياء النجف
الحديثة فقط في حين سيترك أو السيطرة على المدينة القديمة ضمن مهمة
قوات الجيش والشرطة العراقيان.
وخلال يوم أمس وقعت أحداث ومناوشات عسكرية عديدة في مدن رئيسية في
العراق كالبصرة والناصرية وبغداد إلا أن خبراً موثوقاً وصل من العراق
أكد أن هناك ميلاً من قبل الحكومة العراقية المؤقتة قد أبدته لاسترجاع
عشرات المئات من عناصر النظام السابق إلى واجهات وظائفهم السابقة بما
في ذلك الوظائف الحساسة مما يعني لو صح الخبر تماماً أن لافتة الاسم هي
التي تغيرت في العراق أما مجرموا النظام السابق فإن إعادة امتيازاتهم
في أشغال نفس وظائفهم السابقة التي كانوا يشغلونها إبان تلك الفترة
المظلمة التي قادها الفريق السياسي الصدامي الاستعماري ضد الشعب
العراقي لم يتغير منها شيء.
وإن الرأي العام العراقي بقدر ما يعرف أن تضخيم المشكلة العراقية في
قطاع مدينة النجف يستهدف ما سيلي ذلك من إجراءات فإن حث المقاومين
للتصدي للقوات الأنكلو – أمريكية المحتلة ليس فيه جديد ما دامت
أكثريتهم لا يعلمون من الطرفين العراقي والأجنبي المتمثل بأغلب الضباط
والجنود أنهم سيكون حقاً وقوداً تحرق لصالح ما ترسمه وتريده قيادتا
لندن وواشنطن حتى لو كان على حساب حياة العساكر البريطانيين والأمريكان.
إن العراق الحالي أضحى يخسر الكثير من الأموال جراء حالة الإرباك في
تصدير نفطه وجراء قتل مواطنيه الأبرياء الذين تأملوا أن يكون التحوّل
الجديد في العراق عقب إزالة نظام صدام سيمهد الأوضاع مستقرة ينعم فيها
الشعب العراقي باستعادة أنفاسه والتمتع بحقوقه إلا أن ما يبدو أن
السياسات الخبيثة المتآمرة على الشعب العراقي والوطن العراقي مازالت
سالكة وبإصرار. |