هل يوجد شخصان متشابهان كلياً ومن كل النواحي؟
سؤال بسيط وعميق في نفس الوقت، وعلى طريقة فهم الجواب يتوقف نجاح
الإنسان في سلوكياته ومعاملاته الفردية والأسرية والاجتماعية أو إخفاقه
فيها.
ولعله من الواضح أن لا وجود لشخصين متشابهين كلياً، بل التشابه
الظاهري في التوأمين أيضاً تم دحضه بإثبات الفروق الكثيرة والواضحة حتى
في سحنات الوجه، إضافة إلى اختلاف طريقة التفكير ونوعية الأحاسيس في كل
منهما، فكل فرد له كيان مستقل من شكل وروح وعقل له مميزاته وفوارقه.
هذا في الجنس الواحد ولكن إذا اختلف الجنس فالفوارق أوضح إذ كل من
الأنثى والذكر له طبيعة وتفكير وأحاسيس وعواطف نفسية وطريقة تفكير
وتدبير للأمور ونظرة للحياة غير ما للآخر من هذه الفوارق.
ومن هنا نجد الحديث عن ظهور خلافات أسرية بين الحين والآخر وهي
خلافات طبيعية تحدث بين أفراد الأسرة، حتى أنه يقال أحياناً أنها ملح
الحياة الزوجية، لأنها لا تترك آثاراً سلبية سيئة على العلاقة بين
أفرادها حيث يختلفون ويتحاورون ثم يصلون إلى حلول ترضي كافة الأطراف بل
إنها في بعض الأحيان تعمل على التآلف بين أفراد الأسرة والتعرف على
طريقة كل فرد وكيف يفكر.. هذه الخلافات قد تحدث بين الزوجين لأسباب
اقتصادية كأن ترى الزوجة أن زوجها مقصر في حق أسرته مادياً ولا ينفق
عليهم كما يجب أو أنه غير مبال لذلك أو قد يرى الزوج أن زوجته إنسانة
مبذرة لا تقدر الجهد والعناء اللذين يبذلهما في سبيل توفير لقمة العيش
لأسرته.. فتنشب الخلافات بينهما ولكن سرعان ما تذوب تلك المشاحنات ويحل
محلها السكون والهدوء.. وهناك خلافات لسوء معاملة كل منهما للآخر وعدم
تقديره له وعدم فهم الطرف الآخر ووجهة نظره.. ولكن بعد الجلوس سوياً
وفتح الحوار بينهما وتعبير كل طرف عن رأيه تكون النتيجة ذوبان الجليد
بينهما.. وعودة الحياة الطبيعية بين الزوجين كسابق عهدها، بل ربما أحسن
مما كانت عليه..
وهناك خلافات بين الزوجين بسبب الأبناء فكل طرف يصر على أسلوب
وطريقة معينة يرغب في تطبيقها لتربية أبنائه اعتقاداً منه أنها الأجدى
والأنجح في تنشئة الأطفال وحسن تربيتهم، وهذا الخلاف طبيعي يمكن حله
بالتشاور وإتاحة الفرصة للطرف الآخر بإدلاء رأيه واتخاذ الحل الوسطي
القائم على حرص كل طرف على مصلحة أسرته في العيش بهدوء واستقرار.. أما
إذا استفحلت الخلافات بين الزوجين وأصر كل طرف على رأيه مع ضعف الوعي
لديهما بأهمية الأسرة وأنها المدخل لمجتمع قوي متماسك فإن الأمر يتحول
تدريجياً إلى نوع من الصراع والتحدي بين كل طرف على حساب الطرف الآخر
وعلى حساب استقرار الأسرة وتماسك بنيانها.
وعليه ما مضمون كلام الإمام علي (عليه السلام) (البيت الذي لا خلاف
فيه أشبه ببيت البهائم..).
طبعاً المقصود هو الخلاف البناء الناتج عن اختلاف وجهات النظر والذي
يهدف إلى تغيير نوعية الحياة إلى الأفضل وكسر الجمود والرتابة المملة
فيها وتبديلها بالحيوية والنشاط والفاعلية، وليس المقصود الخلاف الذي
سببه الصراع الناتج عن العناد والاستبداد بالرأي، فإن الصراع مدمر ولا
فائدة فيه.
فعلاً الهيبة مقرونة بالخيبة فالذي يخاف التغيير والتجديد خشية ما
يصيبه من صدام التغيير الواقعي بالرافضين له من ذوي العقول المتحجرة
وقلة الوعي لديهم فهذا النوع من الناس حياتهم أشبه بحياة البهائم همّه
بطنه وغرائزه ولا شأن له بالتطوير والبناء وبلوغ القمم الإنسانية
العالية والدرجات الرفيعة فتراه منزوياً طاوياً على نفسه مهزوماً
متقوقعاً في ظلمات الجهل والتخلف.
ومن رام العلى وطار إلى العلياء بهمّته لا بد وأن ينال حظه من
مآسيها ومشاكلها وعوائقها ويتلقى الصدمات بكل رحابة صدر ورباطة جأش بل
لا يزيده كثرة العوائق إلا إصراراً وتحدياً.
وتلك هي نفسية الشجاع المقدام. |