هل يمكن تقسيم الكراهية إلى نوعين فنسمي الأولى بـ(الكراهية الموجبة)
والثانبة بـ(الكراهية اللامبررة) والجواب نعم من حيث المبدأ.
فما لا جدل عليه أن تعمير الذات عند الإنسان يهيئ له العيش بعالم
خاص يأتي لما بعد ترّفع تلك الذات كي تتقدم في علاقاتها المحترمة مع
النفس أولاً ثم مع الذات المقابلة عند الآخر أيضاً فبدون إضفاء ميزة
الإيجابيات بين الناس فالبشرية ستسير نحو حتفها الروحي المحتوم إلا أن
بروز الجانب الأخلاقي عند الإنسان يجعله قريباً من المبادئ السامية
التي بدونها لا يمكن تقويم أي مسيرة فردية أو جماعية أو اجتماعية من
هنا انتشر تعبير (الحقد المقدس) الموجه عادة ضد أعداء العرض أو الرزق
الحلال أو الوطن أو الشعب والتي بدون الحرص عليها جميعاً فإن قراءة
السلام على الأرض وما عليها يصبح أمراً محبذاً.
إن كسب معركة الدنيا لا يبان ناتجها الأخير إلا في الآخرة حيث
الثواب للأخيار والعقاب للأشرار وأن (الحب) بقدر ما هو مراد ضمن دائرة
الخير سواء كانت داخل المحيط العائلي أو المحيط الاجتماعي وعكسه (الكره)
الذي ينتج عنه كل شر في لحظة غير مناسبة فإن الدين الخاتم الإسلام
العظيم يوصي جمهور المؤمنين أن لا يكون ذاك الحب إلا (لله) وأن الكره
ذاته ينبغي كذلك أن لا يكون إلا (لله) أيضاً.
إلا أن التمعن في سايكولوجية المحبة والكراهية (توصل) أن الشعور
الدفين عند المرء هو الذي يحدد أي النوعين يعايش دواخله النفسية، وأن
أجيال تتعاقب والعلاقات في العصر الحديث الراهن أضحت متشابكة المصالح
وتكاد تكون كثيرة الطموح لكن العمل للفوز بأفضل علاقة شراكة مع الآخر
على المستوى الأخلاقي الرفيع هو الذي يقلع درجات الظلامية من بعض
النفوس وبالذات تلك التي تعرف الكراهية فقط ولا يجد طريق المحبة إليها
سبيلاً.
إن في فهم الآخر درجة من العقلانية فالمرء عادة قد جبلت ذاته على حب
الخير على الأعم وهذا يعني أن الكراهية شعور طارئ عليه يأتيه جراء
أسباب غائرة في النفس أو محيطة أحياناً بالسلوك الاجتماعي العام لذلك
يلاحظ أن العداء التليد بين بني الإنسان في مراحل التاريخ القديم
الخالي في معظم الأحيان من أسباب ذات مبرر قوي لاستمرار ذاك العداء مدة
طويلة غير وارد بهذه الأزمنة من نمط ذات العداء القديم إذ أن تاريخ
العداء الحديث أخذ أنماطاً أخرى في العصر الراهن الذي يطلق عليه ظلماً
وبهتاناً بـ(عصر العلم) أو (عصر التكنولوجيا) أو (عصر العلم
والتكنولوجيا) معاً حيث أن الإنسان المعاصر الذي يتجرأ على وصف (حرب
البسوس) التي استمرت بين قبيلتين (40) أربعين سنة في الجزيرة العربية
بكونها (حرب الجهل) أضحى ذاك الإنسان يساير المبررات التي يدعيها القوي
في حروبه مع البشرية وضد أخبارها وحضارتها وبذا فإن مجموع الحروب
المفتعلة الآن على الكرة الأرضية هي حرب بسوس جديدة!
ولقصة الكراهية اليوم فصول لا ينتهي الكلام عن فصل فيها إلا وتقضي
الضرورة أن يبدأ الكلام مرة أخرى لمعرفة الفصل التالي منها وهكذا فصول
وراء فصول وإلى ما لا نهاية كل هذا بسبب عدم تربية الذات البشرية على
أسس الوعي وتفهم الغاية من وجودنا بهذا الكون الشاسع الذي يحتاج إلى
إصلاح نفوس قاداته قبل رعاياهم.
لم تكن الاختلاف بين المواقف من (المحبة والكراهية) يوماً مدعاة إلا
لتغليب عنصر المحبة وخيرها على عنصر الكراهية وشره هذا عند العقلاء ممن
هم لا يتفاخروا بإنجازات صدق مشاعرهم الموجبة اتجاه الآخرين فإذا ما
اعتبرنا أن توظيف الكراهية نحو الآخرين ما يشبه التجاوز عليهم ضمن إطار
الجهل فإن الرد على ذلك ربما يدخل أكثر من طرف جديد إلى دهليز ما يشبه
(الحرب الباردة) فالبشرية التي كانت تعتقد على لسان قادتها السياسيين
وواضعي ايديولوجياتها منذ القرن الثامن عشر الميلادي وحتى عقود خلت أن
الفشل المؤقت الذي تعانيه في مواجهة أعدائها الخارجين سينتهي في لحظة
تاريخية حاسمة سواء عن طريق الديمقراطية أو عن طريق التحرر بات موضوعاً
لا يتعدى سوى كلاسيكية مفرطة في تقدير الأمور ومجرد اعتقادات خاطئة.
وبهذا السياق فإن أطروحة (البقاء للأفضل) التي دخل في سلتها أصحاب
الأفكار من أكثر من صوب فلسفي قد دخلوا اليوم في سلة واحدة وهم صاغرون
إلى انقلاب الزمن عليهم الذي يطلب منهم اليوم أن يهجوا حالة المجاهرة
بالمبادئ فقد استطاع المناؤون تدنيس كل الصفوف وأن على الجميع اليوم
اكتساب آداب الاعتراف بكيفية تسمية الشر بالخير والخير بالشر كي يضمنوا
اكتساب قرار القوي ذو الفروض وبعيداً عن تدخل أي جهة للاستئناف.
وبقدر ما يكون الإسراف في حال الكراهية اللامعقولة مدخلاً لاختراق
المألوف فلننظر إلى معارضي الوضع الاجتماعي في بلدانهم والى السياسات
الخارجية الدولية الجارية إذ لا يستنتج منها أكثر من دعوات لتكون
البشرية متفرجة على ما يحدث ولكن بلا تحريض على كراهية الظالمين!. |