كان اليقين السياسي العراقي العام أثر سقوط نظام الفريق السياسي
الصدامي الاستعماري أن مرحلة جديدة من الطمأنينة ستحل على حياة المجتمع
العراقي لأن الاعتبار الجماهيري في البلاد كان منصباً أن حكم ذاك
الفريق هو أسوأ من أي حكم ممكن أن يأتي لأخذ زمام الأمور وحين جاء
البديل ورأى الناس كيف أن أكثر من 4 ملايين شخص ممن شكلوا مجموع الفريق
السياسي المذكور قد تبخرت مواقفهم العنترية.
وكان ذلك بمثابة نذير أن (صفة الجبن) لدى الفريق الصدامي السياسي قد
آل إلى السقوط تماماً وكانت فرحة الشعب العراقي كبيرة بما لا يمكن
وصفها بعد أن فاق السلوك الإجرامي العشوائي الذي انتهجه نظام صدام ضد
شعب العراق بما لا يمكن تخيله حتى أن عدداً من المثقفين العراقيين
المتابعين للتاريخ العراقي يترحمون على عهد الحجاج بن يوسف الثقفي
المشهور بإجرامه ضد العراقيين آنذاك.
إلا أن التراخي في مقاضاة مجرمي النظام السابق قد شجع ليشعر أكثر
هؤلاء الملايين الأربعة من المنتمين إلى النظام السابق أن الحكم الجديد
أما أن يكون يخاف منهم لكونهم يشكلون الكثرة السياسية في البلد أو أن
مآل القوة العسكرية التي بحوزة القوات الأنكلو – أمريكية لا يصب إلا في
إبقاءهم خارج دائرة الفعل السياسي في المرحلة الراهنة ولكن إلى حين
فتحت حجة أن الحكومة التي بدأت تعمل تحت لافتة (مجلس الحكم الانتقالي)
يفترض أن يكون القانون رائد إجراءاتها ومما ساعد على مثل هذا الطرح
اللامسؤول من قبل إدارتي لندن وواشنطن أن أنفسخ المجال واسعاً كي يلم
كل شتات الفريق السياسي الصدامي شمله مرة أخرى وجاء الإمداد البشري
الجاهل من بعض دول الجوار العراقي ليشكل نقل العداء للشعب العراقي عبر
التجاسر على مواطنيه الأبرياء بواسطة الإقدام على عمليات التفجير
العشوائي بحجة (مقاومة الاحتلال) مع أن العراق كان محتلاً بصورة غير
مباشرة إبان فترة حكم الفريق السياسي الصدامي من قبل نفس القوات إلا أن
الخلاف أو تمثيلية الخلاف بدأ حين رفض صدام أو أوعز له أن يرفض مغادرة
السلطة مع فريقه السياسي والدليل على صحة هذا الاحتمال أن انتفاضة
الشعب العراقي بداية في التسعينيات التي عاصرت أيام هزيمة النظام في
حرب الكويت قد أجهضت بالتعاون والتنسيق بين حكومات لندن وواشنطن وبغداد
آنذاك بحسب اعتراف عدد من الساسة الغربيين الإنكليز والأمريكان الذين
برروا ذلك من تحسب امتداد التيار الديني الشيعي من الجارة إيران إلى
العراق مع أن الشعب العراقي مازال يعتبر مثل تلك الحجة قاصرة في فهم
كنه الأوضاع السياسية العراقية ومطالب عموم جهات المعارضة المتجهة نحو
إقامة حكم عراقي مستقل عن أي تأثير خارجي.
واليوم فإن اعتبارات مرحلة الحكم العراقي السائد الذي تقوده الحكومة
العراقية المؤقتة إذا لم تأخذ مبدأ تراجع مجلس الحكم الانتقالي السابق
الخاص بقبول ما كان يملى عليه من قبل قيادة القوات الأنكلو أمريكية
بالدراسة واستخلاص العبرة منها وبالذات خطأ التعامل المتراخي مع مجرمي
السلطة السابقة فإن أي إمكانية لإعادة العراق إلى الوضع الطبيعي سوف
يكون ضرباً من الخيال السياسي المقيت.
فالعراق الآن بحاجة إلى حكومة حازمة والحكومة العراقية المؤقتة يبدو
أنها متفهمة أكثر لما يجري في العراق من مؤامرات دولية وبمشاركة داخلية
من قبل مرتزقة النظام السابق ومرتزقة السياسة الدوليين في دول الجوار
وحتى لا تتكرر لعبة استمرار الإرهاب من قبل خونة العراق الذي يمثلهم
أولاً عناصر النظام السابق ومعهم خونة العرب من العربان الجهلة
والعملاء الذين اخترقوا حدود العراق لا يحاربوا القوت الأنكلو –
أمريكية بل ليحاربوا الشعب العراقي عبر حجة محاربة تلك القوات.
إن على حكومة عراق ما بعد صدام التي تمثلها الآن الحكومة العراقية
المؤقتة تقتضي منها رصف الصف السياسي العراقي الداخلي الذي كان معارضاً
لنظام صدام وفريقه السياسي الإجرامي وأن تستنهض هم شرائح المجتمع
العراقي التي تضررت من قبل النظام السابق أكثر من غيرها وبالذات منهم
الأكراد الشيعة والتركمان الشيعة، لقد سقط النظام الصدامي في 9 نيسان
2003م ورغم مرور أكثر من سنة على ذاك الحدث المفرح إلا أن إنجازاً
حكومياً لإعادة الاعتبار لموقع الأقليات الشيعية في العراق على المستوى
الشعبي لم تتم وهذا هو أكبر تداع لم تلتفت إليه الحكومة العراقية
المؤقتة التي يفترض بها دعوة المواطنين المتضررين أكثر من نظام صدام
للمشاركة في صنع القرار السياسي ومستقبل العراق. فبدون هذا الاعتبار
فإن أي تسهيل سوف يؤدي إلى عودة الوجه السياسي القبيح لحكم العراق
مجدداً سواء كان حكماً صدامياً مباشراً أو متلبساً بأكذوبة معاداة
الديمقراطية.
إن سلفيو السياسة في العراق الحاكمين أو القريبين من الحكومة
العراقية المؤقتة أن يدركوا خطورة المرحلة التاريخية التي تمر بهم
وببلدهم وهذا ما ينبغي عليهم متى أن يقولوا كلمة (لا) واحدة أو (نعم)
موحدة لمن يسير أوضاع العراق وقتياً في قيادتي لندن وواشنطن وقبل أن
تعطل عجلات قطار التغيير عن السير. |