(حب الوطن من الإيمان)
منقذ البشرية النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)
لا شيء في الوجود أغلى من الإيمان بالله تبارك وتعالى والتقديس
للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إلا ويأتي بعد تلك الدرجة درجة
الانتماء للوطن والولاء لتربته ومياهه وسمائه إذ هو المكان الذي يرى
الإنسان على مساحته الشعور بشأنيته والإنسان الذي لا وطن حقيقي له هو
شخص ضائع بين البلدان الأخرى تعصف به رياح الزمن القاسي رغم ما يبدو
عليه الحال أحياناً من يُسر.
لذلك صعب على الإنسان السوي أن يحمل هوية وطنين اثنين بآن واحد إلا
في ظل ظروف لا تكون طبيعية على الغالب، لقد بقيت قضية الوطن وتقديسه
والدفاع عنه بالغالي والنفيس من أموال ونفوس قضية طبيعية يعاب من يتنكر
لها، فالناس الذين شردوا عنوةً عن ديارهم وعاشوا في المنافي عبر كل
مراحل التاريخ القديم والحديث بقوا منشدين إلى تراب وطنهم لا يرغبون
إبدال ذرة منه بكل ما في الأرض مع أن التراب هنا وهناك واحد فبماذا
يمكن تفسير هذا السر؟!
إن غريزة الإنسان تبقى منشدة إلى المكان الذي ولدته أمه فيه حتى لو
كان في وطن غريب شاءت الصدف أن لا يبقى فيه سوى ساعات (أي اقل من يوم
واحد) ولكن تعداد المنافي للمهاجرين كانت دوماً تقتضيها مصالح الحفاظ
على الحياة أو حفظ الكرامة من براثن السياسات المناوئة للحقوق أو مكائد
الحكومات الخائنة التي يقترن نهجها بالإساءة لمواطنيها المخلصين فهؤلاء
الخونة والأجلاق ممن يقودون بعض الحكومات المشبوهة أو الجائرة لا
يتورعون من إعلان هلعهم من كل مواطن يحب وطنه فهم يعتبرون مثل هذا الحب
الطبيعي والطبيعي جداً فيه خطر على بقاء حكمهم مما يدل أن (الوطنية
الزائفة) لدى حكومات مجددة بحسب ما تدعي امتلاكها ما هي إلا لعبة وإن
نجحت لفترة لكنها ستفشل حتماً.
تنقل صفحات التاريخ حقيقة الانتماء إلى الوطن وكيف كان قد بدأ منح
الهوية للإنسان المهاجر بتوصيفه باسم الأرض التي قدم منها وهو منتم لها
فـ(العراقي) على سبيل المثال لا يتعالم العالم مع شخصه من خلال اسمه
الشخصي بل من خلال جنسيته كـ(عراقي) فيقال عنه فلان العراقي هذا في
المنفى.
لقد بقي المنتمي للوطن والحامل لاسمه بجدارة منذ عهود الوعي
التاريخي محط احترام الشعوب الأخرى التي عاش معها في بلدانها وحفظ
الهوية الوطنية لمواطن من هذا النموذج فيه من الإخلاص للوطن بما لا
يكفي وصفه.
إن شعوراً من ضرورة الدفاع عن الوطن ينتاب كل جندي في جبهات القتال
حتى لو كان حكوماته متآمرة على حياته كـ(مواطن) وسواء عرف ذلك أم لا
ولعل هذا ما يفسر لماذا اخترعوا أهل السياسة مصطلح (الجندي المجهول)
حيث يقوم قادة البلدان لإصدار أوامرهم بعمل أنصاب كبيرة تحظى بالاهتمام
الرسمي والشعبي في آن واحد في تلك البلدان التي تضم أنصاب من هذا
القبيل.
وبين الممنوع والمباح في بعض الدول المتخلفة يحاسب الناس على
وطنيتهم وتحاول قيادات تلك الدول ضاربة عرض الحائط، كل ما يمكن أن يقال
ضدها فتبدي انفعالاً جراء ظهور أي مؤثر يخلص للانتماء إلى الوطن.. أي
وطن. وفي الدول الحديثة تصدر قوانين تسمى بـ(قوانين السلامة الوطنية)
إيذاناً باهتمام الحكومات المختلفة على ضرورة ضمان الاستقرار وتوزيع
الخيرات والحاجات على مجتمعاتها ومن يسيء الظن إلى تلك القوانين يعتبر
قد خرج على إجماع شعبه.
وإذا ما تم تقريب مسألة الدفاع عن الوطن سواء عبر وسيلة قوى العساكر
المحلية فأي اعتداء خارجي أو تخريب داخلي فإن مسألة التثقيف الذاتي
بضرورة امتلاك التطلعات الإيجابية لحل أي مشكلة طارئة أو مستديمة تحل
بالمجتمع أو الأرض هو ما يمكن أن يكون ضمن أولويات أي توجه صحيح.
إن التجاوب مع مصالح الوطن العليا هي التي لا يمكن التخيل دونها
بوجود مصالح جادة عليا للمواطنين وتكريم الأوطان يكمن في الاحتفالات
السنوية بأعيادها المحلية كـ(أعياد الاستقلال) أو (أعياد التحرير) أو (أعياد
تأسيس الأوطان) هذا في العصر الحديث، ولعل من مثيل هذا الشعور المعنوي
الحالي لما يتمنى أن يعنيه (حب الوطن) الذي تتفرع عنه مبادئ (حب
الوطنية الحقة) تعزز بما لا يدع مجالاً للشك صفة المخلصين للوطن عن
غيرهم ممن يدعون ذلك فعلى الفئة الأولى المخلصة يتوقف مستقبل كل شعب
تواق لحمل هويته الوطنية المعروف بها.
لقد تغيرت مبادئ كثيرة وانهزمت أيديولوجيات سياسية كانت يوماً ما من
معتنقات مجتمعات بكاملها لكن مبدأ (الانتماء إلى الوطن الأصلي) بقي
سهمه عالياً في كل مجتمع، أما هؤلاء الذين ارتضوا أن يحملوا هوية أكثر
من (هوية الوطن) فهم أقل من يستطيعوا أن يغيروا القاعدة العريضة التي
ينتمي إليها المواطن الواحد للوطن الواحد وليس لأكثر من وطن. |