مفهوم المجتمع المعرفي تطور نظراً لتطور السمات الإنسانية من العصر
الزراعي والصناعي إلى إطلاقه على تلك المجتمعات التي وصل فيها مستوى
الإبداع العلمي حدوده العليا ولا يزال في طور التقدم، وبالتالي صارت
المعرفة في تلك المجتمعات أساس جميع الحياة البشرية فهي أساس التفوق
العسكري وأساس الرفاهية الاقتصادية فضلاً عن أنها مرتكز العلاقات
الإنسانية لتلك المجتمعات.
وعلى ضوء ذلك من المنتظر انعقاد القمة العالمية للمعلومات ومجتمعات
المعرفة عام (2005) في تونس وهي القمة التي تشرف عليها منظمة الأمم
المتحدة وتشترك فيها المنظمات المستقلة وغير الحكومية المعنية بشؤون
مصير العولمة الحقيقية أي عولمة السلام العالمي بدون حدود ولا هيمنة
ولا بهتان.
ومن شأنها الاهتمام بقضايا الدول النامية، والتي منها غياب مجتمع
المعرفة واستفحال الفجوة الرقمية بينها وبين دول العالم المتقدم، ومنها
تخلّف المجتمعات المدنية عن المشاركة الفاعلة في اتخاذ القرارات وتنفيذ
المخططات وتحديد المصير المشترك لها.
وقد لا يحتاج إلى التأكيد أكثر بأن الإصلاحات الكبرى لا يمكن أن
تتحول إلى واقع إلا من خلال إنجاز المجتمع المعرفي، وهذا المجتمع هو
القادر على التعامل مع العالم بالمعلومة والإعلام والعلم، والمتمكن من
أدوات المعرفة الحديثة على شبكات الكمبيوتر والفضائيات ووسائط الاتصال.
فالمطلوب من القمة المعلوماتية العالمية أن تحدد بذكاء ملامح
المجتمعات الجديدة في عالم الغد، هذا الغد الذي بدأ اليوم دون أن
ينتظرنا، بل شرعت الأمم الأخرى تستعجل خطواتها نحو الاندماج في عالم
المعرفة والذكاء وقوة التعاطي مع العصر ولكن الدول الإسلامية والعربية
مازالت تتخبط في الجهل والتخلف.
وقد وردت في تقرير التنمية البشرية العربية الذي صدر عن صندوق
التنمية التابع لمنظمة الأمم المتحدة إحصاءات مفيدة عن مدى تخلّفها في
معدلات المستخدمين لشبكة الانترنت من مجموع السكان. فكان المعدل العربي
العام حوالي (12%) وبالطبع مع اختلافات كبيرة تتراوح على سبيل المثال
من نسبة (34%) في دولة الإمارات و(27%) في دولة قطر، و(26%) في البحرين
و(21%) في الكويت و(19%) في لبنان و(15%) في المملكة العربية السعودية
إلى مجموعة ثانية من الدول العربية تدور معدلاتها حوالي (10%) مثل
الأردن وليبيا وتونس ومصر وسوريا وسلطنة عمان، إلى حزمة ثالثة من الدول
التي ظلت جهودها محدودة كالجزائر (6%) واليمن (2.2%) والسودان (4.1%)
وموريتانيا (1%).
والاستشهاد بالانترنيت كمثال لأنه أصبح اليوم ليس ناقل الخبر
والمعلومة فحسب بل وأساساً ناقل المعرفة والخبرة، إلى جانب كونه أداة
العولمة الأولى من حيث هو القادر على إلغاء الحواجز والحدود وتخطي
عقبات الزمن واختصاره.
والذي يثير الدهشة هو تعطل النقاش أكثر من مرة في الجلسات التمهيدية
لإيجاد نوع من الوفاق في الإشكاليات الواردة للسيطرة على الشبكة.
وأحد أسباب هذه الخلافات يكمن في انعدام التشريعات المقننة للاتصال
الإلكتروني، أو البطء الكبير في وضع القوانين الضابطة للشبكة.
على أن كل الحاجات المعرفية والثقافية يمكن سدها بل والتقدم في
مجالات الحياة إذا تم تغيير العقلية الاستغلالية والمادية البحتة
والالتزام بالفطرة الإنسانية المحبة للخير. |