أوضحت دراسة تحليلية لفلسفة الكراهية وتفكيك عناصر ممارستها المشيدة
على تاريخ عصي، فالطموح إلى حاضر تفكك عقدة استعصاء المستقبل، ومخاطبة
الخير الأصلي والأصيل في الإنسان، وإذا كانت الكراهية محسوسة لها
بنائها الحربي ولها بذارها الظالم، ولها تجلياتها في مفاصل التاريخ
البشري،بما يختزنه من أفعال ومن ردود عليها وإذا كان كل ذلك موجوداً
فما هي الأسس التي تستند إليها الكراهية؟ وعلى أي وجه يمكن للمتضررين
والفاهمين، مقاربة نشأتها واشتداد عودها، وانتشارها وترسيخها واتساع
صفوف مريديها؟ الذين يديمون سقايتها بالدماغ والدموع ويسيل من النظريات
التي ترقى إلى مستوى فلسفي، بل وتتصدر عن فلاسفة لهم شأنهم في التاريخ
العام، يطرح الدكتور عبد الله مبارك في كتابه (فلسفة الكراهية – أسئلة
حول الكراهية) ويشير من خلال بعض أسئلته إلى دروب الأجوبة؟ هل الكراهية
موقف عقل؟ هل هي طبيعة في النفس هل تجتمع مع الصواب وعدالة النظر؟ هل
هي ميل واستعداد تغذية قوى معينة في موقع قيادة؟ تحتمل الردود على
المطروح، السلب والإيجاب يبادر الدكتور مبارك في هذا المجال ليستخلص
منحازاً لدعوته إلى المحبة والى العقل الكامن فيها فيقول: إن الفكر أو
المعتقد مسؤول عن تكوين مشاعر الفرد.. وأن الأوامر ذات الصلة والنفوذ،
كالعقائد تختطف الملكة العاقلة لدى الفرد، ومن ثم طرح السؤال حول
مكونات الفكر ذاته، والمعتقد بعينه التي تتيح آليات اشتغاله، ونظام
مصالحه، الوصول إلى منظومة الأوامر، وجملة العقائد، التي تهدف إلى سلب
الأفراد ملكاتهم العقلية، ذلك أن الفكر المنطلق من مصالح محددة نحو
غايات بعينها لا يجد وسيلة أنجع لتنفيذ مآربه من كتلة الجماهير التي
تساق كالسائحة، وضمن منظومة التضليل الأيدلوجي كفعل، ومنظومة الهيجان
الجماهيري، كرد فعل بصير لتطابق سيد الموقف وعلى منبره يطلق الزعيم ما
يود جمهوره سماعه منه، ومن ساحات التلقي الجماهيرية، ويعيد الزعيم
صياغة المسلك الذي يريد دفع الجمهور إليه التطابق يصير إلغاء للتمايز،
أي توزيع نسخة فهم محددة على الآخرين أو بلغة الكاتب: إعارة الفعل
الواحدة، المفرد، لكثرة الكاثرة لتفهم وفق أحكامه، وتفسر بمقتضى ادواته،
بهذا المعنى لم يكن الزعيم الألماني هتلر غريباً على أفهام قومه عندما
أبلغهم أنه من أشمل بركات الله كره الأعداء، وقبله كان هيغل لساناً
جمعياً على نحو ما عندما قرر أن الحرب تطهير للنفوس، ومثله إيمانويل
كانت الكاره لطول السلم في المجتمع لأن ذلك ينشر أخلاق السوق ويوصل
الجبن لدى الأفراد والمجتمعات، الوجه الآخر للوجه الفلسفي هذا موجود في
علم المصالح، وكامن في دهاليز السياسة التي اتقنها (فلاسفة عصرهم)
الوقوف ضمنها أو على أبوابها أو على مسافة منها.. لأسباب كانت الكراهية
حصادها، ولم تكن طبع نفسي في أساس نشوئها، على خلفية المصالح هذه، يتاح
لنا مواكبة الكاتب في استقصائه للكراهية الكامنة لدى المسلم، في موضوع
علاقته مع الآخر غير المسلم، وبعلاقته أيضاً مع الآخر المسلم، وما رافق
ذلك من عداء مستحكم في كلا الطرحين وتحت عناوين مختلفة اتخذت النبذ
والرفض والاقتتال والصراع دائماً، ولم يخفف من تشابه الحروب ضد الآخرين
أنها تمت في مكان تحت راية الجهاد ضد الغريب عن القوم والدار وحصلت في
مكان آخر، تحت راية المذهب ووحدانية التفسير واحتكار صفاء العقيدة..
دائماً كانت الدنيا هي الحاضرة في لبوس الدين، ولأن الأمر كذلك، نحي
الدين بغاياته ومحبته.
واستشرت الدنيا بمآسيها وكراهيتها، إذ لن يحب المسلوب سالبه، ولن
يستكين المغلوب لغالبه، ولن يغفر القتيل لقاتله؟ في ساعة مصالح وفي
ديمومة جشع واستحواز، دارت رحى حروب الأفكار المتصارعة، ومعارك الجيوش
المتناحرة وكان النصر وفي كل مرة حليفاً أوحد لكراهية المندومين،
وصانعاً دائماً لكراهية المنتصرين، رفض خضوع وتطلب إخضاع هذه هي الحياة
الفعلية التي عرفها البشر، والتاريخ غير المتخيل، يقع ضمن هذين الحدين،
وأشارت الدراسة في جوابها عن أسباب تقدم غيرنا وتخلفنا، لم تجد ثقافتنا،
ما تهديه للآخر أو تبادله به، بل أنها ظلت وعظاً بلا برنامج عمل، ينتج
عقماً فقطن ولم يقتصر الأمر على فقدان القدرة العلمية والتقدم في
مجالاتها، بل أن الأمة فقدت القدرة ولم تحاسب نفسها على فقدها؟! فكيف
ينتظر لثقافتها الظهور والانتشار؟ |