أبرزت دراسة تحليلية تتضمن سؤال النسبية الثقافية وحقوق الإنسان
باعتبار أن حركة حقوق الإنسان هي نتاج التجربة الإنسانية في جميع أنحاء
العالم فمفاهيم الحرية والكرامة وعدم الاعتداء على الآخرين هي مفاهيم
عبر عنها الإنسان عبر التاريخ بأشكال مختلفة ومتعددة، فقد ورد في
الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في المادة 1 يولد الناس جميع الناس
أحراراً ومتساويين في الكرامة والحقوق، والرسول الأعظم (صلى الله عليه
وآله وسلم) عمل على تحرير العبيد، ومارتن لوثر كينغ قاد حركة مدنية في
الولايات المتحدة لمساواة السود بالبيض، والمسيح عليه السلام دعى إلى
المحبة والتسامح بين الناس وهو الذي قال لتلاميذه (تعلمون أن الذين
يعدون رؤساء الأمم يسودونها، وأن أكابرها يتسلطون عليها، فليس الأمر
فيكم كذلك، بل من أراد أن يكون كبيراً فيكن فليكن لكم خادماً) والشعب
الجزائري ثار وحرر وطنه من الاستعمار الفرنسي والثورة الفرنسية دعت إلى
المساواة والإخاء والحرية، وقال العرب تجوع الحرة ولا تأكل بثديها، ولا
تنتهي الأمثلة من التجاربة الإنسانية التي أوجدت لنا سلة من القيم
المتشابهة بين الثقافات والتي منها نهلت حركة حقوق الإنسان مفاهيمها
فالحديث عن حقوق الإنسان هو حديث قديم قدم التاريخ دون استخدام التعبير
حقوق الإنسان، إلى أن تبناها المجتمع الدولي في وقتنا الحالي للتعبير
عن سلة هذه الحقوق المعترف بها دولياً.
ومن المثير للانتباه أن حركة حقوق الإنسان أثبتت للعالم أن القيم
المشتركة بين الثقافات في العالم أكبر مما كنا نعتقد عندما يتعلق الامر
بحقوق الإنسان الأساسية، بالرغم من محاولة البعض إيهامنا بأن مفاهيم
حقوق الإنسان لم تراع الاختلاف الثقافي بين الشعوب وأنها تعكس فقط
المفاهيم القادمة من الغرب.
والجدل في هذا المجال استهلك وقتاً طويلاً داخل أنشطة حقوق الإنسان
في العالم، ومن المثير أن معظم الذين يدافعون عن هذا الرأي الحكومات
التي لها سجل حافل بانتهاكات حقوق الإنسان في بلدانها وخارجها وتعبر عن
هذه الرأي بطريقة عامة لا توضح من خلالها أين تختلف ثقافة بلدانها مع
معايير حقوق الإنسان الواردة في المواثيق الدولية، كأن تقول مثلاً بأن
ثقافتها ضد التعبير عن الرأي أو ضد حق الإنسان في الحياة أو الحصول على
التعليم أو الصحة أو أنها مع تعذيب السجناء و..الخ، فمثلاً الكيان
الصهيوني أعلن مع استخدام ما أسماه بالضغط الجسدي المعقول؟! التعذيب في
انتزاع الاعتراف من المساجين، وكما قلنا سابقاً هناك كثيراً من القوى
التي مازالت لا تتقبل هذا التطور الحاصل على مستوى حركة حقوق الإنسان
عالمياً، ولا تتوانى هذه القوى عن إيجاد أسباب واهية تشوه صورة الحركة
في أذهان الناس، وتبعد الأنظار عن الانتهاكات الحقيقية لحقوق الإنسان
وذلك بفرض جدل لا نهاية له.
وقائمة مواضيع الجدل التي تصرف الأنظار عن مبادئ حقوق الإنسان لا
تنتهي من الثقافة والسيادة الوطنية والوحدة الوطنية والمعايير المزدوجة
والعادات والتقاليد، وجميعها تعامل معها المجتمع الدولي أثناء صياغة
مبادئ حقوق الإنسان، لأنه منذ البداية كانت النظرة السائدة هي القائلة
بضرورة عدم تناقض هذه المبادئ مع هذه القضايا وذلك من أجل ضمان
عالميتها.
وخلصت الدراسة إلى أن ناشطي حقوق الإنسان يركزون على حقوق مرتبطة
بحرية التعبير وحرية الاختيار الفكري وحرية المشاركة السياسية
والديمقراطية والتخلص من الاضطهاد.
قراءة وإعداد بسام محمد حسين
aboalibassam@gawab.com |