لا شك أن فترة المراهقة هي من أهم مراحل العمل وأصعبها تعاملاً في
آن، حيث الغموض المكتنف لتصرفات المراهق نتيجة التغيرات الطارئة في
جسمه وعقله وتفكيره وأحاسيسه، وطبيعي جداً اضطرابه وتصرفاته الغير
لائقة في مرحلة انتقاله من عالم الصبا إلى عالم النضوج فتارة يريد
إثبات نضوجه وكماله واستقلاليته وأخرى يحن إلى عالم صباه المرح.
ولهذه المرحلة مشاكلها التي يجب على الأهل أن يتكيفوا معها بهدوء:
أ) كأن يعارض أهله ويتصرف ربما بعدوانية ويبتعد عن أهله ويقترب من
أصحابه، وليس ذلك إلا لإحساسه الغامر ورغبته الجارفة نحو إثبات نضوجه
وأنه لم يعد طفلاً (ذكراً كان أو أنثى) حتى يتدخل الأهل بشؤونه ومعرفة
كل ما يفعله.
ب) ويحرد لأي سبب فتراه يترك البيت لأدنى مشادة كلامية معه.
ح) يعلّق تعليقات سمجة وقد تكون غير مؤدبة.
د) وأن لا يركز في دراسته ولا يعجبه حضور الامتحانات وغيرها من
التصرفات.
وقبل الرد يجب علينا أن نعرف أن هذه التصرفات ممن هم في مثل عمره
شيء طبيعي جداً ولا ينبغي علينا أن نحمل المسألة أكثر من مقدارها.
فالعدوانية والمعارضة للأهل ضرورية برأي الطبيب النفسي باتريس هويار
ليميز المراهق نفسه عن أهله بأنه له الآن رغبات خاصة وهو لا يتعلق كلياً
بهم.
وإزعاجه لأسباب تافهة لأن المراهق معجب بنفسه، حيث تقول المعالجة
النفسية آناد يباريد (وفي هذا العمر يجب أن يجادل ويرى العالم بمنظار
أفكاره وبطريقة هجائية ساخرة تدين كل ما لا يعجبه، لا تظنوه أحمقاً،
فهو أدرى الناس بمحدودية معلوماته ولكن أي تعليق على كلامه سيشعره
بالدونية وسينزعج بسرعة.
أما تعليقاته السمجة حتى على أهله ولا يتحمل أن يرد عليه بالمثل،
فتقول الاختصاصية النفسية (إديث غوديه) أن المراهق يرتاح (للتنكيت) مع
أصحابه لأنه يخفف عنه التوتر ويبعد عنه الغم الذي يحسه في هذه المرحلة
الوسطية بين الطفولة والشباب.
أما عدم تفوقه في دراسته لالتهائه بما يمر به من تغييرات وضغوط
نفسية وجنسية واضطرابات عضوية.
ففي هذه الحالاات وغيرها مما قد تعتري المراهقين يجب على الأهل أن
يتصرفوا بحكمة تجاهها ولا يزيدوا في الجمر ناراً، وأن يتقبلوا الأولاد
المراهقين كما هم عليه ولكن مع محاولة تحسين الوضع والانفتاح على مشاكل
المراهق ومشاركته همومه ومساعدته في الخروج من أزمته ولا يحصل ذلك إلا
بالتروي والصبر على هناته، فأفضل طريقة للتعامل معه هو تفهم وضعه وما
يمرّ به من ضغوطات ومحاولة إرشاده بلطف ولين ومشاركته في حل أزماته
وإعطائه الدور الأكبر في ذلك لما فيه من إرضاء غروره ورغبته الجامحة في
الاستقلالية وعدم إهانته أو التنقيص من قيمته وعدم جرح مشاعره بكلمات
مهينة ومحقرة كمحاولة للانتقام منه والتلميح إلى عقوقه.
وعدم المن عليه بأننا لا نزال نصرف عليك أو أنت لا شيء من دوننا.
والأفضل للأم أن لا تهدد أبنها المراهق بأبيه لأن صورتها ستهتز، بل
من الأفضل أن تذكره بالحدود المقبولة وإن عنفت فليكن تعنيفها في حدود
المقبول.
على أن عنصر الثقة بالمراهق وبأعماله الحسنة وإشعاره بذلك هو بمثابة
المعجزة أو المفتاح السحري في التأثير به. |