بعد اختراع الراديو والتلفزيون وما سبقهما من اختراع التلفون
والسينما جاء اختراع الكمبيوتر بادئاً بصفحة متواضعة يؤدي بعض الحسابات
الرقمية لكنه سرعان ما بدء يؤثق ما كان يعتبر من مهام الإنسان المباشرة
حتى إذا جاء الانترنيت فقد تخطى هذا المخترع التكتيكي الجديد حدود ما
لم يكن في الحسبان.
والعقل العلمي الذي تهيب دوماً لفترة مما كان لا يتوقع أن يصل إليه
قد قطع حتى الآن شوطاً عظيماً في مجال مكتشفاته ومخترعاته مما جعل
الأجهزة العلمية والتكنيكية وكأنها كـ(حبات المسبحة) يكمل بعضها البعض
ولا يمكن الاستغناء عن بعضها لأن ما يشبه خللاً في التسبيح قد حدث، وما
يفهم من كل هذا أن هناك ألفة قد سادت بين الكمبيوتر والانترنيت مع
الإنسان الحضاري الجدي الذي نبه لضرورة الاعتماد على هذين الجهازين
المهمين لاستحصال إداءات ما يمكن استحصاله منهما.
وتشير إحصاءات آخر تطورات الكمبيوتر مثلاً أن عقد المؤتمرات الدولية
(أي دون الحضور إلى قاعة المؤتمر) وبذل عناء السفر من بلد إلى آخر أو
على الأقل من مكان إلى مكان داخل المدينة الواحدة بات تحت اليد إذ يكفي
للمؤتمرين أن يخاطبوا بعضهم البعض من على شاشة رئيسية للمؤتمر المعقود
الذي يشارك فيه أشخاص كثيرون ممن يعنيهم ما يمكن أن يتمخص عن المؤتمر
المعقود بالاعتماد اللاحضوري شخصياً للمؤتمرين.
وهكذا فالحياة تتقدم على المستوى التقني أكثر بكثير من تقدمها في
المجالات الأخرى ولأن البناء سمة بناء النفس قبل تشييد الأبنية وما
يشابهها فإن في كثرة مواقع الانترنيت مثلاً ليس هناك دلالة أن مسيرة
تقدم الإنسان سوف تستمر على خطى مدروسة قبل أن يؤدي الفكر الراجح دوره
الإيجابي بهذا المجال كأن تكون حالة (التشذيب) لما يحمله الانترنيت
ومعه الكمبيوتر أيضاً من خزائن التوصيل بين البشر وفرز الطالح من
برامجها وطبيعة عملها وبالذات دراسة المواد البرامجية المبثوثة
والموجهة لمخاطبة الأطفال ثم الفتيات.
إن معركة الحريصين على سلامة الإنسان الذهنية والتربوية والفكرية
ومنها بتقيظ الضمير لديه هي معركة هذه الأيام وهي معركة غير منظورة في
مداها لكنها فاصلة في سوء نتائجها.
للعل أكبر فتح عالمي تشهده البشرية هو فتح عالم اليوم عبر الكمبيوتر
والانترنيت ومن باب احترام هذا الفتح العلمي الثقافي لا يكفي إصدار
كلمات الوعظ للناشئة والفتيات كي يقوما معاً بتجاهل ما يمكن أن يشاهدوه
عن على برامجيات مواقع الفضائيات بسبب أن هؤلاء الناشئة وبالذات
الفتيات ليس لديهم أي فكرة متكاملة عن النوايا الخبيثة للعروض
الإعلامية التي تخاطب الغرائز قبل القلوب، ومن أجل أن لا يدفع الناشئة
ضريبة الجانب المجنون مما يقدمه الكمبيوتر ويسهله الانترنيت. لذا كان
كلمة (لا) الناهية للأولاد بهذه الحالة لا تكفي بل أن متابعة الناشئة
يعتبر ركن أساسي من أجل الحصول على أفراد نافعين لذواتهم وعوائلهم
ومجتمعهم وهذا لا يتم إلا حين يتم معرفتهم متى يقولون (لا) ومتى يقولون
(نعم) لما يشاهدوه ويلمسوه من أجهزة الكمبيوتر والانترنيت العاملين
عليها.
إن المحاذير من بعض ما يقدمه الكمبيوتر والانترنيت بقدر ما هو واجب
يفضل أن يحاط به الصغار الصاعدين الجيل من قبل الكبار المعلمين لهم فيه
شيء من أدب الرفض لكل ما هو سلبي بقدر ما فيه القبول لكل ما هو إيجابي.
لقد لعب مصمموا الكمبيوتر والانترنيت دوراً علمياً بارعاً من أجل
تحضير المجتمعات البشرية وتقريب بعضها من بعض كما يلاحظ ذلك مثلاً من
استغلال هذين المخترعين للتنسيق العالمي في نقل الأحداث والأخبار من
أقصى الأرض إلى أقصاها عبر الأقمار الصناعية الإعلامية.
البعض يعتقد أن من نتائج الكمبيوتر والانترنيت الغير ملفتة للانتباه
تماماً أن فيهما من السيطرة على العقول من جانب والاهتمامات الفردية
والجماعية ما يجعلهما يستأنفان أخذ العالم على حين غرة ولكن ضمن فتح
جميل خال من العنف الذي طالما رافق عمليات الفتح والاحتلال العسكريان
وبمعنى أقرب إلى الذهن فلا بأس من الإقرار بأن الاعتماد على الكمبيوتر
والانترنيت غدا اليوم موضوعاً ضاغطاً لا يمكن تجاهله بسهولة لما يقدماه
من مسرة للخواطر وتقريب لمعرفة خطوط كثيرة من (الحلم) لدى الأفراد.
ولعل في توسيع النشاطات العالمية بواسطة الكمبيوتر والانترنيت فيه
قدر من الدعوة للتنسيق الجديد من أجل تبادل أفضل لمكامن العلم والمعرفة
لو وضع لذاك التبادل أسس ترضي الجميع فمن الحرام أن لا يشذب هذا
الاندفاع الاجتماعي الكبير نحو الكمبيوتر والانترنيت من أجل انتهال
أسمى مما يشهده الحاضر إذا أن المواجهة ستبقى بين جدلية ما يريده
الإنسان وما لا يريده منهما. |