عندما تشاهده للوهلة الاولى وهو يلوح بيديه، وتارة ينفخ بصافرته،
متوسطا الشارع.....اقرب ما تخاله انه مجنون....!
فثيابه الباليه، وشعره غير المصفف، ولحيته التي غالبها اللون الابيض،
ومظاهر الاجهاد التي بدت عليه، إضافة إلى حركة يديه وهو يأمر السواق
بالتحرك او بالتوقف، كل هذه اللقطات تؤكد انه شخص مصاب بالجنون ، ولكن
لو اقتربت منه اكثر وراقبت ما يقوم به ترى عكس ما ظننته، وان تجرات
للتحدث معه، تتفاجأ بأخلاقه الرفيعة ومستوى ثقافته، وللمست ايضا في
ثناياه كلامه لطفا ومودة.
إنه ببساطة شخص نذر نفسه لمهمه يراها البعض سهلة جدا، ولكنها صعبة
ومتعبه برأي اصحاب المركبات ورجال المرور... إشارات وتوجيهات وصفارة (
شرطي المرور المجهول) كانت لها فائدة كبيرة في تنظيم المرور، خصوصا في
الازمة المرورية الخانقة التي اجتاحت اغلب شوارع المدن العراقية، بعد
سقوط النظام بسبب دخول عدد كبير من السيارات غير خاضعة للكمرك ( منفيست)
والذي كما يراه رجال المرور من اهم اسباب الازمة، اضافة الى اغلاق قوات
الاحتلال عدد كبير من الشوارع لاغراض امنية...
( بلادي وان جارت علي عزيزة ..... وقومي وان شحوا علي كرام) بهذه
الكلمات استقبلنا صديق الشارع المجهول عندما سألناه عن سبب وقوفه طوال
ساعات النهار في هذا الجو الحار ودون مقابل ، واضاف: (منذ اكثر من 16
شهرا وانا امارس هذا العمل... عندما سقط النظام،
وعمت الفوضى في الشوارع، تطوعت لتنظيم المرور, ولم تثنن
الصعوبات، كبرودة او حرارة الجو، والمضايقات التي اتعرض لها من بعض
الاشخاص الذين ينعتونني بالجنون أو
يسمعوني الكلمات النابية عن القيام بـ( واجبي) .. حبي لمدينتي
ولوطني يرفع من معنوياتي... صحيح أن رجل المرور قد عاد إلى الشارع،
ولكن احببت ان ابقى للمساعدة في الشوارع المزدحمة).
ويواصل قائلا( لا اتقاضى أي مردود مادي لقاء هذا العمل، و انا متزوج
ولدي خمسة اطفال, واسكن في بيت متواضع ، ووضعي المادي ضعيف،وليس لدي
راتب تقاعدي اخر، ولكن "خدمة الوطن هي راتبي").
عبارات تدمع العين ، وتهزك من صميم وطنيتك، وحالة تدخل الى قلبك
السرور وانت تشاهدها, في وطن هو في اشد الاوقات حرجا ، ويستغيث طالبا
العون و المساعده، في زمن غفل عنه ابناؤه. |