مصطلح (السيادة) ليس مفردة لغوية عابرة ممكن تمطيها كيفما يريد
المتلفظون بها أن يكبروها أو يصغروها لهذا فالرأي العام ليس بحاجة إلى
من يعينه كي يعرف معنى السيادة.
وحتى لا تصبح (السيادة) وقد قرأ على روحها الطاهرة سورة الفاتحة
مثلما حدث لشقيقها (الاستقلال) الذي منحه الاستعمار لبلدانه المستعمرة
شكلياً وأبقاها بلدان سائرة في فلك سياساته الرهيبة في كافة أنحاء
العالم ولكن بطريقة جعلت من منح الاستعمار استقلالاً غير حقيقي لبعض
البلدان المستعمرة لحسابه مسألة تثير الاستهجان والتعليقات الساخرة.
والعراق الذي سلبت سيادته بصورة ظاهرة تماماً منذ انقلاب 1968م الذي
قاده أحمد حسن البكر وفريقه السياسي الاستعماري الذي كان ضمن أعضائه
صدام التكريتي الذي اختير وبقدرة المستعمر أن يكون الشخص الثاني في
الدولة العراقية من بين عدد من الفريق السياسي الآنف الذين كانت
مؤهلاتهم.. السياسية ليست أوطأ مما لدى شخص صدام الذي تم اختياره لأن
مرحلة الحكم المستعمر للعراق آنذاك تحتاج إلى رئيس عصابة لا يتوانى عن
تنفيذ تعليمات (المستعمر) يستهدف الشعب العراقي أكثر مما يستهدف النفط
العراقي أو خيرات العراق الأخرى، وبدا الحال تماماً أن أسوأ من صدام
لأداء المهمة القذرة في شهر عداه الشعب العراقي من حيث جوهر السياسة
الجديدة آنذاك لدى انقلابيو 1068م الذين يفتقرون لأي تاريخ سياسي ناصع
فقد عرفهم الشعب منذ أول أيام انقلابهم التآمري أنهم مختارون من حثالة
المجتمع العراقي ومعلوم أن لكل مجتمع حثالة وحثالة العراقيين هم الفريق
السياسي للكتلة البكر – صدام المجرمة.
أما بخصوص رفع نعرة فقدان العراق الراهن.. للسيادة وبهذا الكلام
المقطوع فيوحي لغير العراقيين وكأن الحكم الصدامي كان حكماً وطنياً وذو
سيادة وأن القوات الأنكلو – أمريكية هي التي سلبت السيادة من العراق
بمجرد سقوط الفريق السياسي الصدامي وليس أن العراق كان بلا سيادة منذ
سنة 1968م وأن حكومته بقيادة البكر أولاً ثم صدام ثانياً قد نفذت كافة
تعليمات المستعمر سواء ضد الشعب العراقي ذاته أو ضد إيران والكويت وما
تبع ذلك من إنزال الويلات الكبرى في كل من العراق وإيران والكويت.
واليوم وحيث يمكن الاعتراف أن شكل فقدان السيادة العراقية قد جُيّر
لحساب البريطانيين باعتبار العراق في حسابات الفكر الاستعماري
البريطاني أحد مقاطعاته فإن هذه السيادة معرضة أما للترسيخ لصالح
المستعمر البريطاني وأما أن تعاد السيادة حقاً للشعب العراقي بحسب ما
يؤكده الخطاب السياسي البريطاني الراهن مع الخطاب السياسي الأمريكي
الذي ينسق المواقف بين سياسات لندن وواشنطن في العراق.
إن الحكومة العراقية المؤقتة الآن أمام مهمة صعبة فهي أما ستبت
وطنيتها الحقة أم أنها ستضع في بحر التقولات السلبية لذلك من المطوح
الوطني الكبير الذي يتمتع به الشعب العراقي ينبغي أن تعمل لأجله
الحكومة المؤقتة في العراق الحاضر وذلك عبر بذل مساعي تتوجب إنهاء أي
تدخل أجنبي في الشأن العراقي.. والانتباه من جراء لعبات عقد الاتفاقيات
وبالذات في المجال العسكري إذ ينبغي أن لا تتنازل أي حكومة عراقية لعقد
صفقات سرية أو شبه علنية مع أي جهة قبل أن يحاط الرأي العام العراقي
علماً بما يراد أن يكون لصالح العراق أو لطالحه.
وليس بالضرورة أن يكون تحدي المستعمر الآن بأساليب قديمة فالمستعمر
اليوم رغم عدم حياء إدارييه من توجهاته الاستعماري العلنية إلا الرأي
العام العالمي بالرغم من كونه يبدو قد وصل إلى (نقطة الشللية) في
تأثيره إلى أن واقع الحال ينبغي أن يدفع دوماً من أجل التفكير المدروس
والسليم لاستحصال ولو (الحد الأدنى) من (امتيازات السيادة) التي لا
يمكن أن يفكر المستعمرون بأنهم سيعيدوها للعراق بصورة هينة كما قد
يتصور البعض.
أما ما يجول في الخاطر من كون المحتلين للعراق حالياً القوات
الدولية بحسب التسمية الجديدة لأصل القوات الأنكلو – أمريكية فإن
المستعمر كما عودنا في كل تاريخه الاحتلالي أنه يتنكر لكل وعد قد يقطعه
إلا أن فارق المرحلة السياسية الراهنة التي تشهد حالة من التقريب
الإعلامي العظيم فيما بين المجتمعات المشفوعة بتوجهات الغرب نحو نشر
العولمة في العالم فهناك احتمال ضعيف جداً أن يكون ذلك مدعاة فعلية
لإعادة المستعمر سيادة العراق إلى أبنائه بسهولة بالغة رغم أن إعلان
منح السيادة للعراق قد أعلن عنه منذ أواخر شهر حزيران الماضي 2004م إن
استرداد السيادة الحقة للعراق الجديد هي الآن على المحك فلنرى. |