ذكرت دراسة حديثة أن نحو ثلاثة من كل أربعة منازل يمتلكون واحدا أو أكثر من أجهزة الكمبيوتر الشخصية في سنغافورة البارعة في التكنولوجيا. وترتفع الارقام الواردة من هيئة تنمية إتصالات المعلومات بنسبة  68 في المئة عن عام 2002. وقالت الهيئة ان هناك وعيا كبيرا بين العائلات عن أهمية استخدام تكنولوجيا المعلومات وبرامج التعليم الوطني.. كما ساعدت الصفقات المالية الجذابة على تزايد دخول الانترنت إلى المنازل. وأسفرت خطط نظام الاشتراك الشهري لخدمة الانترنت الممكن تحملها إلى اشتراك  40 في المئة من المنازل التي جرى استطلاع آرائها في النظام العام الماضي 2003 مقارنة بنسبة  24 في المئة عام 2002.

 

إنَّ سكينةَ القلبِ تُوجبُ الاتزانَ في التفكيرِ، وهو بدورهِ يوجبُ التحرُّكَ الصحيحَ نحوَ الأهدافِ الرفيعةِ.

ايران في جولة ثانية: انكشاف اوراق اللعبة.. انتخاب السيئ لتفادي الاسوء
إغلاق صحف إيرانية جديدة بسبب إشكالات الانتخابات الأخيرة
استجواب صدام واعوانه تمهيدا للمحاكمة الكبرى
إنجاز 70 - 80% من صياغة الدستور العراقي الجديد
75 بالمائة من الفلسطينيين يؤيدون تخلي حماس عن العنف
ندوة الوثائق التاريخية للقدس محاولة عقلانية لإيقاف تهويدها
التغذية السليمة تضمن للانسان ذاكرة نشطة حتى سن التسعينات
 
 
 
 

 

محمد الدوري يكشف عن تفاصيل مساومات الليلة الأخيرة بنيويورك

آخر مقابلة لي مع كوفي عنان تركزت حول تأمين انتقالي خارج الولايات المتحدة

*لا أعتقد أن باستطاعة أحد أيا كان أن يتحدث مع صدام في موضوع حساس جدا كموضوع التنحي عن السلطة

*وصلت الأمور إلى ما وصلت إليه في ارتقاء إخوان صدام وأقاربه وبعضهم بدون مؤهلات أو إمكانات تذكر

متابعات\النبأ: كشف سفير العراق السابق إلى الأمم المتحدة محمد الدوري لأول مرة عن تفاصيل اجتماع جمعه بشخصية "عراقية" في نيويورك بعد احتلال العراق قبل مغادرته نهائيا بليلة واحدة، حمل إليه خلاله رسالة شفهية من جهة أمنية أمريكية تطلب منه إصدار بيان مؤيد للاحتلال في مقابل حصوله على ما يطلب، وفي حال عدم الاستجابة...!

ونفى الدوري في حوار شامل لـ"العربية.نت" نيته الترشح لأي منصب رسمي، معربا عن توقعات باغتياله في حال عودته للعراق حاليا. وانتقد الأمين العام للأمم المتحدة كوفي عنان واصفا إياه أنه شخصية "غير مستقلة" تستجيب تماما لمطالب الدول الكبرى. وللمرة الأولى تحدث الدوري لـ"العربية.نت" عن تفاصيل لقائه الأخير بعنان في نيويورك، وهو اللقاء الذي لم يشأ عنان والدوري التحدث عن تفاصيله لوسائل الإعلام وقتئذ.

وأعرب الدوري عن اعتقاده أن الرئيس العراقي السابق صدام حسين لم يكن محاورا جيدا لا مكان عنده للرأي الآخر"إذا ما اقتنع أو اتخذ قرارا فلا يمكن مناقشته". وأضاف أنه لم يكن بمقدورأحد مناقشة صدام في موضوع حساس كموضوع "التنحي عن السلطة". وأشار الدوري إلى أن أطرافا عربية كانت شاركت في العمل السياسي والعسكري مع الولايات المتحدة ضد العراق لا تزال تعمل من أجل انجاح المشروع الأمريكي في العراق والمنطقة.

"العربية.نت" حاورت السفير العراقي السابق إلى الأمم المتحدة حول آرائه الأخيرة بشأن بلاده والحالة الأمنية والمقاومة، كما استنطقته بخصوص النظام السابق والمحاكمات الجارية لرموزه. وتناول الحوار عددا من المحاور التي تشكل قضايا الساعة.

* عودة إلى أيامك الأخيرة في نيويورك، هل تعتقد أن الأمين العام للأمم المتحدة كوفي عنان كان يتصرف بمهنية أثناء أزمة العراق أم أنه كان منحازا نتيجة ضغوط أمريكية، وما الذي دار بينكما في آخر اجتماع جمعك به قبيل مغادرتك نيويورك، وأعني الاجتماع الذي أحجمتما بعده عن التعليق، وهل تعرضت لضغوط من أي طرف أثناء وجودك في نيويورك وخصوصا في الفترة التي تلت احتلال العراق، نما إلى علم "العربية.نت" أنك تلقيت عروضا من جهات أمريكية، هل تنفي هذه المعلومات أو تؤكدها؟

* بداية ولإزالة بعض اللبس الذي حاول البعض خلقه إزاء ما أورده البعض تجنيا على لساني، أود التأكيد على أن انتمائي الوطني والقومي والديني كان الأساس في كل ما عبرت عنه من مواقف تتعلق بالاحتلال الأنكلو أمريكي للعراق وما رتب ويرتب من تداعيات خطيرة فكرية وبنيوية ستترك أثارها الكارثية على مستقبل العراق والأمة لأمد غير منظور. إذا الدوافع الوطنية والقومية ومستقبل العراق في الحرية والسلام والأمن والوحدة والتنمية وليس المطامع الشخصية هي الأساس الذي بنيت وتبنى عليه آرائي وأفكاري وتحليلاتي ومواقفي.

ولكنني في الوقت عينه أتمنى العودة إلى وطن معافى حر وضع أقدامه على طريق البناء والتقدم ومجتمع موحد استطاع أن يتجاوز محن الماضي بكل آلامه من أجل هدف أسمى يتجاوز العصبيات القومية والطائفية والمصالح الجهوية والعشائرية والمصالح الشخصية التي تغذيها روح الحقد والانتقام والثأر والركون بدلا من ذلك إلى الوطن والدين الحنيف والقانون الذي عن طريقه يأخذ كل ذي حق حقه ولذلك اعتبرت المصالحة الوطنية حجر الزاوية في أي مشروع وطني نزيه يحفظ وحدة الوطن المهددة بتقسيم عرقي واضح وتمزيق طائفي يلوح في الأفق بالرغم من كل ما يقال حول رسوخ الوحدة الوطنية.

ولا بد من القانون والقضاء العادل كأساس جيد جدا لعودة الحقوق إلى أصحابها وهذا لن يكون إلا بموجب نظام سياسي ودستوري يحفظ البلاد والعباد من الظلم من خلال ديمقراطية تتواءم مع القيم والمثل العليا لمجتمعنا والتي يأتي في مقدمتها وعلى رأسها مبادئ ديننا الحنيف بعيدا عن أي تحزب أو طائفية أو تبعية لأجنبي أيا كان.

وباعتباري أنتمي إلى عائلة التربية والتعليم في العراق قضيت فيها 39 عاما بالتمام والكمال في حين لم أقض في العمل الدبلوماسي إلا أقل من 5 سنوات فمن المنطق والمعقول أن يكون لي رأيا سياسيا عاما أنتمي فيه ومن خلاله إلى ما أؤمن به، أعبر فيه عن رؤيتي العروبية الهوية والانتماء إلي وطني العراق الذي أعتبره جزء لا يتجزأ من الأمة العربية.

لذلك أؤكد أن ما قلته وكتبته يعبر عن رؤية شخصية قد يعتبرها البعض خطأ ويعتبرها البعض الأخر صوابا كلا أو جزء، ولذلك أقول بأنني لن أستبدل حريتي وحرية رأيي ومعتقدي بأي منصب أو وظيفة سياسية وحلمي ان بقي في العمر ما يكفي هو العودة إلى صفوف التدريس في بلد حر محرر لأنتهي مثلما بدأت حياتي معلما، ولكن ذو رؤية سياسية واضحة تقبل الرأي والرأي الأخر والحوار كأساس لتبلور رؤى وطنية تنسجم مع التطور الفكري والقيمي وترفض الإقصاء والتبعية.

بالنسبة لسؤالك منظمة الأمم المتحدة لا تعمل باستقلال تام وحياد بعيدا عن الأجواء السياسية الدولية بل هي بالضرورة انعكاس لها وهذا هو حال المنظمات الدولية والإقليمية الأخرى بما فيها الجامعة العربية كمنظمة إقليمية وهي بالتالي دولية كما الأمم المتحدة.

مساومات الليلة الأخيرة في نيويورك

وبما أن واقع السياسية الدولية هو محصلة علاقات القوة بين الأمم والأقوى هو الذي ينتصر في النهاية في الحرب كما في السلم فالمنظمات الدولية ومنها الأمم المتحدة هي بيد المنتصر ولنقل الأقوى الأكثر تأثيرا. وإذا كان الأمر كذلك فلا يمكن للأمين العام للأمم المتحدة، وليس باستطاعته أبدا أن يعمل باستقلالية عن الدول المؤثرة في الحياة السياسية الدولية وهي الدول الأقوى في العالم أو بالأحرى الدولة الأقوى في العالم الولايات المتحدة الأمريكية.

عليه وخلافا لكل ما قيل أو يقال عنه يظل شخصية غير مستقلة غير قادر على أن يكون كذلك وعليه أن يستجيب تماما لما تطلبه منه الدولة الأقوى مع هامش بسيط جدا من حرية الحركة وعليه أن لا يتجاوز خطوطا حمرا تتغير باستمرار طبقا لتغير الاستراتيجيات والمصالح. فالقول بأن الأمين العام مستقل ويمتلك حرية القرار أمر غير صحيح لأنه يخضع بصورة مباشرة أو غير مباشرة لتوجيهات الولايات المتحدة الأمريكية خاصة بعد سقوط جدار برلين وانتهاء الاتحاد السوفيتي كقوة توازن عظمى، وبصورة أكثر وضوحا منذ أحداث 11 أيلول 2001.

آخر مقابلة لي مع كوفي عنان تركزت حول تأمين انتقالي خارج الولايات المتحدة

أما عن آخر مقابلة لي معه في 10 نيسان/أبريل 2003 وكانت قد تركزت حول تأمين انتقالي خارج الولايات المتحدة الأمريكية، حيث لم يعد لوجودي معنى بعد سقوط بغداد بيد قوات الاحتلال، إلى المنطقة العربية وتحديدا إلى الجمهورية العربية السورية وفعلا قام بإجراء الاتصالات المطلوبة مع بعثة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة في نيويورك التي قامت باتخاذ الإجراءات اللازمة لتسهيل سفري على أفضل وجه ممكن وغادرت نيويورك بكل يسر وكرامة.

وخلال فترة إقامتي كممثل دائم للعراق في الأمم المتحدة وحتى ساعة مغادرتي لم أتعرض إلى أي ضغط من أي طبيعة كانت عدا ضغط العمل الصعب جدا خلال الحرب وضغوط الإعلام المعروفة أوقات الأزمات. كما لم أتلق أية عروض مباشرة أو مساومات من جانب أية جهة رسمية أمريكية.

لكن قبل ليلة من مغادرتي نيويورك طلب مقابلتي شخص عراقي تربطني به علاقة ودية يحمل الجنسية الأمريكية وفعلا تمت المقابلة في دار سكنى وابلغني بأنه يحمل رسالة شفوية من جهة أمنية أمريكية مفادها أن علي أن أعلن في بيان يصدر عني تأييدي لاحتلال القوات العسكرية الأمريكية للعراق مقابل الحصول على كل ما أطلبه، وفي حالة عدم الاستجابة...!، وقد كان جوابي طبعا صريحا وقاطعا وبدون تردد بالرفض.

* في كتابك "اللعبة انتهت" أشرت إلى أن مسرحية احتلال العراق ألفها وأخرجها الأمريكيون والبريطانيون وآخرون خلف الستارة "من بينهم عرب"، من تعني بآخرين خلف الستارة تحديدا؟

* أثبتت الأيام التي أعقبت الحرب ما قلناه في إطار التحليل بأن هناك أطرافا عربية قد شاركت في العمل السياسي والعسكري مع الولايات المتحدة الأمريكية ضد العراق وما زالت كذلك حتى اليوم تعمل على إنجاح المشروع الأمريكي في العراق والمنطقة. طبعا لا توجد لدي أية معلومات شخصية أو وثائق في هذا الخصوص ولكن متابعة ما صدر لحد الآن من كتب ومقالات وتصريحات صحفية ومقابلات يؤيد ذلك.

صدام لم يكن محاورا جيدا

* أشرت إلى أنك كنت واحدا من قلائل يتحدثون إلى صدام "بشفافية" وصراحة، هل تم ذلك في المؤتمرات الدورية للسفراء العراقيين، أم في مناسبات أخرى وما هي تلك المناسبات، أم كان ذلك بينك وبين الرئيس فقط؟

* لم تربطني بالرئيس السابق صدام حسين أية علاقة شخصية ولم ألتقيه على انفراد علما بأنني قابلته مرتين في الاجتماع الدوري للسفراء في كانون ثاني من عامي 2001 و2002.

* هل تعتقد بأن القيادة العراقية بشكل عام كانت تدير –أو تستطيع إدارة- حوار عقلاني حقيقي وشفاف مع صدام، ومن الذين كانوا يتحدثون إلى صدام بجرأة؟

* لا أعتقد ذلك الذي سمعته أنه مستمع جيد ولكنه ليس بمحاور جيد فلا مكان عنده للرأي الأخر وإذا ما اقتنع أو اتخذ قرارا فلا يمكن مناقشته بعد ذلك وما يؤيد ذلك هو قناعته وتأكيده قبل اندلاع الحرب العدوانية الأمريكية البريطانية على العراق عل أن الولايات المتحدة الأمريكية لن تشن حربا شاملة على العراق بالرغم من أن جميع التقارير والمؤشرات كانت من الوضوح بحيث لا يمكن لأحد أن يعطيها أي معنى أخر عدا عن أن الحرب قادمة لا محال. ولكنه كان يبدو واثقا مما يقول ويبدو وكأنه كان مستندا إلى معلومات أكيدة من جهة موثوقة جدا كأن تكون قوة عظمى أوجهة أخرى خاصة تحظى بثقته.

* هل طالبت صدام أو طالبه آخرون بالرحيل حين أثيرت مسألة تركه للسلطة في مقابل تجنب الحرب على العراق، ولماذا تعاملت القيادة العراقية وقتئذ مع مبادرة الشيخ زايد بحدة، وهل أخطأت القيادة في تعاملها مع هذه المبادرة على وجه الخصوص؟

* لا أعتقد أن باستطاعة أحد أيا كان ومهما كانت درجة قربه منه أن يتحدث معه في موضوع حساس جدا كموضوع "التنحي عن السلطة" بمعنى مبادرة الشيخ زايد أو مبادرات أخرى سمعنا عن مبادرة قطرية وأخرى روسية باسم بريماكوف. وأن من تعامل مع هذا الموضوع من المسؤولين العراقيين أمام وسائل الإعلام كان بتوجيه مباشر من ديوان الرئاسة آنذاك وبدون مناقشة، حيث لا يمكن بمقدور أي شخص مسؤول أم غير مسؤول أن يناقش أمرا كهذا إذ أن فيه خطورة كبيرة.

ولا أعتقد بأنه كان بوسع من تم تكليفه بالتحدث في هذا الموضوع خيار أخر غير الالتزام بالتعليمات التي أتصور أنها كانت من الشدة بحيث لا يمكن لأحد أن يتجاوزها أو حتى أن يبدى ملاحظة بشأنها ولو على سبيل الاستفسار، وإلا فالعواقب أكثر من وخيمة. كما لا أعتقد بأن طبيعة الرئيس السابق صدام حسين أو طبيعة النظام السياسي آنذاك أو طبيعة العلاقة بينه وأعضاء قيادته كانت تسمح بحوار من هذا النوع.

* في سياق مناقشاته لآراء لك نشرت في صحف عربية، يذهب د. سيار الجميل إلى القول بأنك تبني رؤيتك القاتمة لمستقبل العراق و"تحوّله لكانتونات مناطقية وطائفية" على محض فرضيات لا تستند إلى دليل وهو الأمر الذي كان يبشر به النظام السابق، وفي شأن "المشروع الإسرائيلي الأمريكي" في العراق الذي تحدثت عنه يرد عليك الجميل أيضا بأن زيارة طارق عزيز إلى الفاتيكان وزيارة الشيخ أمين الجميل للعراق قبل الحرب كانت في إطار جهود حكومية عراقية من أجل القبول بأي مشروع أمريكي في مقابل البقاء في السلطة؟

* لم أطلع على ما كتبه الدكتور سيار الجميل وإن كنت احترم رأيه حول ما كتبته لكنني فقط أخشى أن تكون قراءته من الناحية المنهجية للأحداث هي غير قراءتي وقد نختلف في المنهج كما قد نختلف حول بعض الثوابت التي تحدد مسار الحوار في شأن معقد كالقضية العراقية ولكننا لا نختلف حول مصلحة الوطن ووحدته ومستقبله بغض النظر عمن يحكمه فهذا الأمر يعود للشعب العراقي كله . إن تأشير الأخطار المحتملة ولو بأبسط نسبة أمر مطلوب وطنيا والحرص على مصلحة الوطن هو شأن الجميع وأتمنى حقا أن خطر التقسيم الطائفي والقومي هو مجرد وهم لا يوجد إلا لدى القلة من أمثالي.

الدوري عن المقابر الجماعية

* ينتقد د.سيار الجميل دفاعاتك عن النظام السابق فيما يتعلق بالمقابر الجماعية مشيرا إلى دعوتك بشأن "ضرورة محاكمة الجميع"، أولا من تعني بـ"الجميع"، وثانيا كيف ترد على سؤال د. سيار "لماذا تحاكم الجميع وأنت تشكك بمصداقية الأحداث ولا تستطيع أن تأخذ موقفا منها"، وهل صحيح أنك تدافع عما يصفه البعض "بجرائم نظام صدام"؟

* موقفي من المقابر الجماعية فقد وضحته في مقابلات تلفزيونية عديدة وكقانوني ومهتم بحقوق الإنسان منذ فترة بعيدة وأستاذ للقانون الدولي على مدى عقود، لا يمكنني قبول أي انتهاك للقانون من أية جهة كما لا يختلف اثنان على إدانة مثل هكذا جرائم بشعة أيا كان فاعلها ويجب أن يتحمل المسؤولية القانونية الجنائية والأخلاقية كل من يثبت أنه شارك أو تسبب فيها .

وصفتي القانونية تفرض علي أن لا أتسرع بالحكم على أي شخص ارتبط بهذه الأحداث المأساوية إلا بعد أن يصدر قرار حكم من محكمة عراقية مختصة عادلة وعلنية تتعرض لكل حيثيات الموضوع وبدقة متناهية بحيث لا تضيع حقوق أي عراقي تعرض للقتل أو انتهكت حقوقه إبان تلك الأحداث المأساوية .

وأعتقد أن العاطفة بقدر ما هي طبيعية إلا أن العقلانية وسيادة القانون مطلوبان لأعمال العدالة وحماية المجتمع في جميع الظروف فكيف بوضع مثل وضع العراق المهدد في ظل الظروف الصعبة جدا التي يمر بها بسبب الاحتلال وتداعياته الخطيرة.

* أشار كلا من رئيس الوزراء العراقي إياد علاوي ووزير الداخلية فلاح النقيب إلى تورط "جهات خارجية من غير دول الجوار" في أعمال عنف في العراق، ما هي تلك الجهات في تقديرك، ومن برأيك يحرص على نشر العنف في العراق؟

* مصطلح أعمال العنف قد يكون صحيحا وينطبق على الأعمال التي تستهدف البنى التحتية وتدمير الخدمات الأساسية والثروة الوطنية، والقتل العشوائي الذي يطال المدنيين دون تمييز أو تلك التي تستهدف لحمة الشعب العراقي ووحدته الوطنية من خلال المساس بالمقدسات الدينية.

أما المقاومة الوطنية فهي التي تستهدف قوات الاحتلال وتعمل على طردها بهدف تحرير العراق مستخدمة جميع الوسائل السلمية أو استخدام القوة المسلحة. فالمقاومة الوطنية أمر مشروع أقره الدين الإسلامي الحنيف كما الأعراف الدولية والقانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة لذلك لا يمكن تصنيف مقاومة الاحتلال من قبيل أعمال العنف.

ولا يمكنني استبعاد مشاركة عناصر أجنبية أو حتى عراقية في أعمال العنف لتحقيق أهداف خاصة بها أو بدول أجنبية ذات مصلحة في استمرار حالة الفوضى والانقسام بين أبناء الشعب العراقي لا بل وفي تجزئة وتوصيل الإقليم العراقي بين دويلات طائفية وعرقية.

* عبرت قطاعات مقدرة من الشعب العراقي عن سعادتها بنقل السلطة إلى حكومة عراقية، ظللت تتهمها بالعمالة، ألا ترى بأن موقفك يصادم رغبات الشارع العراقي، ويؤسس فكريا لاتساع نطاق العنف من خلال المقاومة؟

* لا أعتقد أن هناك وطنيا عراقيا واحدا لن يكون سعيدا بانتهاء الاحتلال لكني، وهنا لا أختلف مع أي واحد من أبناء وطني، أريد أن ينتهي الاحتلال حقا اليوم قبل غد، وأن يستلم السلطة أبناء العراق الذين ينتخبهم الشعب العراقي بحرية تامة وبرقابة دولية، بغض النظر عن هوية هؤلاء المنتخبين الطائفية أو العرقية أو القومية. المهم أن لا تكون المحاصصة الطائفية أو العرقية هي الطريق للسلطة لأنها ستكون طريقا لتكريس الانقسام بين أبناء الشعب الواحد الذي سيقود بالضرورة إلى تقسيم الوطن.

لن أترشح لأي منصب رسمي

* إذا حلت قوة متعددة الجنسيات محل القوات الأمريكية، هل سيتبدل رأيك، وما هي توقعاتك بشأن استقرار العراق في المرحلة المقبلة، هل سيتمكن العراقيون من إجراء انتخابات ديمقراطية مطلع العام المقبل؟

* أتمنى أن يتمكن جميع العراقيين من المشاركة في أول انتخابات حرة تجري على أرض العراق ولكن ليس تحت إرهاب الاحتلال ومن يمثله على أرض العراق. الاحتلال والمشروع الأمريكي في العراق يتعارض ويتقاطع مع إجراء انتخابات حرة لأن العراقيين يكرهون الاحتلال بطبيعتهم ويريدون طرد المحتل، وإن المنطق يعني أن أية انتخابات حرة تعني مجئ ممثلين لهذه الإرادة الشعبية والتي تعني المطالبة والعمل على طرد المحتل وفشل أهدافه التي جاء من أجلها وهذا سم يصعب على الإدارة الأمريكية والصهيونية تجرعه، وإلا فالاحتلال يكون قد جاء حقا " ليحرر العراق" وهو أمر قد أثبتت الأيام ومعاناة العراقيين من بطش الاحتلال وجرائمه البشعة خلال أكثر من عام أنه زيف وخداع.

لذلك ستتحوط الولايات المتحدة الأمريكية جيدا وقد قامت بذلك فعلا من خلال استصدار القرار 1546 الذي ضمن لها استمرار الاحتلال وأن تجري الانتخابات في ظله وتحت إشرافه وبذلك ستؤمن اختيار من تريده لتضمن حكومة موالية تؤمن لها مصالحها ونجاح مشروعها في المنطقة ولو إلى حين وغير ذلك ليس إلا ضربا من الخيال والتمنيات..

* متى ستعود إلى العراق، وهل تنوي ترشيح نفسك لمنصب رسمي، رئاسة الوزارة مثلا، وماذا لوعرض عليك العودة إلى منصبك السابق كسفير لبلادك في الأمم المتحدة؟

-*العراق بلدي ووطني أفنيت عمري في خدمته ولي حق فيه كما العراقيين جميعا دونما تمييز أو استثناء لأحد مهما كان وعلى ذلك فإن من حق جميع العراقيين ومنهم المتحدث العودة إليه أو مغادرته متى يشاءون. هذا حق كفلته جميع الشرائع الإلهية والوضعية وبصورة أكثر حدة الاتفاقيات الدولية ومنها اتفاقية الحقوق المدنية والسياسية لعام 1966 التي وقعت وصادقت عليها جميع الدول والتي أصبحت قانونا دوليا ملزما.

أتمنى حقا أن يتحرر العراق ويعود معافى كريما يحتضن جميع العراقيين الذين سيعودون إليه طبعا تضمهم وترفرف فوق هاماتهم راية واحدة في إطار وحدة وطنية بعيدا عن التكتلات الطائفية والحزبية التي يقوم بعضها على الإقصاء والأنانية والارتباط بالأجنبي. لكن على المستوى الشخصي أؤكد أنني لن أرشح نفسي لأي منصب ولن أعود لعملي السابق كسفير للعراق في الأمم المتحدة.

* في إفاداتك للبيان الإماراتية في (7/6/2003) أشرت إلى أن المشروع الأمريكي في العراق ليس أمريكيا صرفا وإنما هو إسرائيلي أمريكي، هل بحوزتك معلومات مؤكدة بهذا الشأن، وما مدى إلمامك بعلاقة إسرائيل ببعض الأطراف الكردية؟

* توجد معلومات كثيرة جدا وفي متناول الجميع تؤكد تزايد حجم الوجود الإسرائيلي في العراق بعد أن كان مقتصرا على منطقة كردستان العراق قبل الحرب العدوانية الأخيرة عليه. لكن تواتر المعلومات وخاصة ما أوردته صحف أمريكية وبريطانية معروفة مثل الاندبندنت ونيويورك تايمز والنيويوركر وصحافيين كبار مثل سيمور هيرش لا يرقي الشك إلى مصادر معلوماتهم وما ورد على لسان مسؤولين أتراك" وإسرائيليين" إضافة إلى العلاقات النوعية المتميزة بين الولايات المتحدة الدولة التي تحتل العراق والكيان الصهيوني إضافة إلى العلاقات التاريخية بين بعض الأحزاب الكردية المتنفذة وكذلك مع بعض الأشخاص "العراقيين" االمتنفذين اليوم في العراق من الذين سهلوا للاحتلال ورافقوه خلال شن الحرب عليه، كل ذلك يعمق القناعة بصحة المعلومات عن وجود إسرائيلي تجاري وأمني وحتى استيطاني في العراق وخاصة في منطقة كردستان العراق وبصورة أقل في بعض مناطق العراق الأخرى كبغداد .

إسرائيل تلعب دورا في تدريب قوات البيشمركة في كردستان العراق

وما يؤكد صحة المعلومات هو أن هناك مصلحة حقيقية لـ"إسرائيل" في أن يكون لها نفوذ في بلد كانت تخشاه باستمرار وسوف تعمل المستحيل على أن لا يكون العراق مصدر تهديد لها في المستقبل. ومن أجل ذلك تعاونت بشكل مباشر مع الولايات المتحدة قبل وخلال العدوان العسكري وتتعاون اليوم معها وتقوم بتدريب قوات البيشمركة في كردستان العراق.

الموقف الوطني والقومي للعراقيين من القضية الفلسطينية والكيان الصهيوني لم ولن يتغير ولذلك لا خيار أمام المشبوهين بوجود علاقة تربطهم مع الكيان الصهيوني، وأمام هذا الكم الهائل من المعلومات غير نفي هذه العلاقة وأن يعملوا بصدق على إبعاد الشبهات عن أنفسهم بإثباتات مادية من خلال مواقف علنية وكتابة مقالات واضحة باسماء الأحزاب والشخصيات المتهمة وإلا فسوف لن يغفر الشعب العراقي لهم لأن في ذلك خيانة لقيمه ومبادئه وقناعاته التي لم ولن يتمكن الاحتلال من تغييرها.

أما أولئك الذين تربطهم فعلا علاقة مع الصهيونية العالمية أو الكيان الصهيوني فحري بهم أن يعلنوا ذلك للملأ دونما تردد أو تلكؤ وكما فعل كثيرون من العرب وغير العرب من المسلمين وعدم ترك الأمر للشائعات ليأخذ كل ذي حق حقه.

* هل تلوم نفسك ولو بدرجة قليلة على المشاركة في نظام يعتبره البعض تسبب في أضرار كبيرة لحقت بالعراق جراء سياساته؟

* لست ممن يؤمنون بعبادة الشخصية، وما قدمته من خدمة طوال أكثر من أربعين عاما كانت وستظل دائما للعراق العظيم، وطن وأهل ولم أندم على خدمة بلدي في أي ميدان عملت به سواء في التعليم في الجامعة أو الفترة القصيرة في وزارة الخارجية بل ستظل مصدر اعتزاز دائم لي.

* هل لك اتصالات بأطراف عراقية حاليا، وما هي تلك الأطراف؟

* أنا مسؤول عن كل ما عبرت عنه أو ما نقل عني نقلا أمينا والكثير قد قيل بحقي بعضه صحيح وبعضه الأخر غير صحيح على الإطلاق ومنه ما نقل على لساني في موقعكم هذا "العربية.نت" قبل أيام بالرغم من عدم صحته أصلا ومنه ما نقلته بعض الصحف العربية التي شوهت بتعمد وسوء نية ما قلته لمراسليها أو ما قلته في بعض من مداخلاتي في الندوات.

لقد قمت بالتعبير عن قناعاتي بصورة لا تقبل التأويل منذ اليوم الأول لاحتلال العراق وهذه المواقف تتركز في رفض الاحتلال بصورة مطلقة ورفض الطائفية والفيدرالية والعمل على إعادة وحدة الشعب العراقي على أسس الوحدة الوطنية والمساواة وسيادة القانون وكون الانتخابات الحرة النزيهة الطريق الوحيد للشرعية الوطنية وللسيادة شريطة خروج قوات الاحتلال تماما وأن المقاومة الوطنية للاحتلال السلمية والمسلحة مشروعة ما دامت موجهة ضد قوات الاحتلال وليس ضد أهداف مدنية بشرية كانت أو اجتماعية أو علمية اقتصادية مخصصة لخدمة الشعب العراقي.

الزرقاوي قد يكون "كذبة كبيرة"

* كيف تقيّم الحالة الأمنية في العراق اليوم، وما هي الوسائل الكفيلة بتهدئة الأوضاع، وهل تعتبر جماعة "الزرقاوي" مثلا محقة فيما تفعله بالذبح والتفجير؟

* الحالة الأمنية في العراق لا تحتاج مني إلى توضيح أو شرح فهي مأساة مستمرة، خلقها الاحتلال ومسؤوليته عنها مباشرة، تحكي عن نفسها بالصوت والصورة هي مأساة العراقيين بل العراق كله.

هذا الوضع الكارثي وما ينجم عنه من مآسي إنسانية يتحمل مسؤوليته الجنائية والمدنية والأخلاقية دولة الاحتلال وأفراد قواتها المسلحة المتمركزة في العراق وأفراد القوات المسلحة المتحالفة معها أيا كانت جنسيتها والميليشيات التي تتعاون معها فهي تعتبر شريكة في الجريمة المستمرة منذ بدء الاحتلال وحتى انتهاءه.

فإذا كان الاحتلال هو المتسبب والمسؤول عن حالة الانفلات الأمني فإن حل المشكلة هو بانسحاب القوات الأجنبية المتسببة في الجريمة وتحملها المسؤولية عما اقترفته من جرائم كبرى بحق العراقيين انطلاقا من الجريمة الأم وهي جريمة شن حرب عدوانية ضد شعب آمن وما ترتب عليها من قتل للمواطنين وتدمير للبنى التحتية إلى جريمة الاحتلال وما رافقها من إكمال تدمير ما تبقى من البنى التحتية للدولة من وزارات ومؤسسات خدمات وحل الجيش وقوى الشرطة وإقصاء لعشرات الآلاف من المواطنين من أعمالهم ووقف لجميع الأنشطة الاقتصادية للدولة وأحداث شلل عام في جميع حركة المجتمع ناهيك عن الاستخدام المفرط للسلاح والعشوائي ضد المواطنين وانتهاك حرمة بيوتهم وسرقة ممتلكاتهم.

يضاف إلى ذلك احتجاز عشرات الآلاف من العراقيين لفترات طويلة جدا دون توجيه تهم لهم واستخدام كل الطرق المحرمة دوليا ضدهم من إهانة للكرامة الإنسانية إلى استخدام كل أنواع التعذيب الجسدي والنفسي إلى التهديد والاغتصاب. كل ذلك يقود إلى ردود أفعال مشروعة من جانب العراقيين في إطار ممارسة حق الدفاع عن النفس.

حالة الاستقرار الأمني في العراق تعني عدم وجود مبرر لبقاء قوات الاحتلال لأطول فترة ممكنة لكن حالة الاستقرار وعودة الحياة الطبيعية تبقى حلم العراقيين وأملهم في حياة هانئة لكن ذلك لن يتحقق إلا بعد طرد القوات الأجنبية الغازية وعودة الحياة لمؤسسات الدولة وإعادة فتح المصانع والمعامل والخدمات بعد انتخابات حرة تعيد السلطة والشرعية إلى حكومة منتخبة ذات إرادة حرة، عندذاك يكون الاستقرار والأمن حيث لا عدو تجب مقاومته ولا احتلال يجب طرده.بخصوص الزرقاوي لا يوجد أحد محق في الذبح والقتل، وقد يكون الزرقاوي كذبة كبيرة.

* بعد تسليم صدام إلى السلطات العراقية، هل تتوقع أن يحظى الرئيس السابق بمحاكمة "عراقية" عادلة، وهل حكومة علاوي مؤهلة لمحاكمة عادلة، ومن هو القاضي العراقي المؤهل حاليا من وجهة نظرك لترؤس مثل هذه المحاكمة؟

* العراق يزخر بطاقات هائلة في جميع الاختصاصات العلمية والفنية والإنسانية وبما يفيض عن حاجته وأراني مؤهلا أكثر للحديث عن الكفاءات القانونية والقضائية وأحزن عندما أسمع عن تدريب أو تأهيل خارج العراق لأجهزة الدولة القانونية والقضائية، فهل العراقيون بحاجة إلى إعادة تأهيل؟ أترك الجواب للقدرات والكفاءات العراقية الموجودة على امتداد العالم العربي وحتى أوربا والولايات المتحدة ذاتها.

المحاكمات التي سيرضى عنها الشعب العراقي هي المحاكمات العادلة التي تتم في ظل سيادة الدولة وليس تحت حماية حراب قوى الاحتلال فلا عدالة في ظل الاحتلال ولا عدالة في ظل سيادة منتقصة. نعم يجب أن لا يكون هناك أحد فوق القانون وتجب مساءلة كل من ينتهكه ولكن في ظل الاستقلال والسيادة الكاملة، أي في ظل حكم القانون والدستور الذي يضعه ممثلون منتخبون يمثلون إرادة المجتمع.

وهذا كله غير متوفر فالحكومة العراقية هي حكومة انتقالية معينه من قبل حكومة الاحتلال لتصريف الأعمال اليومية والإعداد للانتخابات للحكومة المقبلة التي ستقوم بإعداد الدستور وطرحه على الاستفتاء فما هو وجه الاستعجال في محاكمات قالوا عنها إنها ستستمر حتى العام القادم أي لما بعد انتخابات نهاية العام الحالي.

جميع المحللين اتفقوا على أن توقيت المحاكمة المسرحية هو لأغراض انتخابية أمريكية ولأغراض سياسية تتعلق بالحكومة الحالية وقدرتها على بسط سيطرتها وحفظ الأمن في البلاد وهذا أمر ما زال محل تساؤل من قبل العديد من المراقبين حيث لم يحدث أي تحسن على الأرض حتى بعد الإعلان عن المحاكمات.

عن محاكمة صدام حسين

* هل يسمح قانون "العقوبات البغدادي" بمحاكمة صدام حسين، وهل تسمح القوانين العراقية بدفاع محامين غير عراقيين عنه؟

* المفروض أن لا أحد فوق القانون عدا الحصانات التي يوفرها القانون والدستور لرئيس الدولة أو غيره لكن هذا الحديث يمكن تصوره في دولة كاملة السيادة، تحترم القانون وتؤمن بقدر معقول من المفاهيم الديمقراطية فهل ينطبق ذلك على العراق في هذه المرحلة؟ لا أعتقد أن الأمر كذلك لكن الأيام القادمة ستكشف مدى قدرة القضاء العراقي على التمسك بالقانون الوطني وكذلك مدى احترامه للاتفاقيات الدولية ذات الصلة وخاصة اتفاقية الحقوق المدنية والسياسية.

كما أن من مصلحة القضاء العراقي ونقابة المحامين العراقية أن تتمسك بشفافية المحاكمات حفاظا على سمعتها خاصة وأنه سيكون من الصعب على محامين عراقيين أن يقوموا بواجبهم في الدفاع وهو واجب مقدس في ظل الظروف الحالية. لذلك وإذا ما أريد لهذه المحاكمة إن تثبت قدرة وعدالة القضاء العراقي على إجراء محاكمات ستكون محل اهتمام العالم أجمع فعليه ومن أجل تحقيق العدالة أن يسمح لمحامين عراقيين وغير عراقيين لا بل يشجعون للقيام بالدفاع عن العدالة.

على أية حال قانون نقابة المحامين كما أكده نقيب المحامين الأسبق وزير العدل الحالي يسمح بمشاركة محامين غير عراقيين في القيام بدور الدفاع في المحاكمة. لكن ما ظهر من لغط حول الموضوع لا يطمئن حول ما ستؤول إليه الأمور بغض النظر عن الرأي القانوني.

* هل تجد المجتمع الدولي مسؤولا عن مثل هذه المحاكمة وكيف، ومن ناحية ثانية هل تعتبر أن محكمة دولية يمكن أن توفر بديلا منصفا لمحكمة عراقية ؟

* لم يتطور المجتمع الدولي في هذا الميدان إلا في وقت متأخر حيث تمكن من إنشاء محكمة جنائية دولية ذات ولاية عامة بالنسبة للدول التي أصبحت طرفا في النظام الأساسي للمحكمة بعد مصادقتها عليه، أي في إطار قانون المعاهدات الذي لا يلزم دولة ما في معاهدة ما إلا بعد أن تصبح طرفا فيها بعد مصادقتها عليها طبقا لأحكام دستورها.

لكن يجب أن لا نخرج الأمر عن سياقه العام أي من إطار العلاقات بين الدول خاصة غير المتكافئة في القوة، فحكم قيم القانون والعدالة ما زال بعيد المنال حيث قانون القوة هو السائد وتتحدد المسؤولية وفقا لذلك، القوي يكون عادة في منأى عن حكم القانون والخاسر دائما هو الضعيف، وإن استطاعت محكمة العدل الدولية والمحاكم الجنائية الدولية الخاصة بيوغسلافيا ورواندا إلى حد ما، التمسك بحكم القانون، لكن دون إمكانية فرض تنفيذه على جميع الدول والأفراد المطلوبين لها بصورة تامة فكثيرا ما تتمكن الدول القوية باستخدام وسائلها للتخلص من إنفاذ القانون بحقها هذا في حالة قبولها بولاية محكمة العدل الدولية أصلا قدر تعلق الأمر بها.

أنا مع اللجوء للقضاء العراقي الذي أحترمه بالنسبة لأية قضية جنائية عراقية إذا ما وجهت التهم طبقا للقانون العراقي. ولكن بشرط توفر الضمانات القانونية والقضائية والدستورية التي أشك في توفرها حاليا بسبب الظروف غير الاعتيادية التي يمر بها البلد ويأتي في مقدمتها فقدان السيادة واستمرار الاحتلال الأجنبي وفقدان الأمن والاستقرار. عليه فإن اللجوء للقضاء العراقي في الوقت الراهن ينطوي على مخاطر كبيرة خاصة وأن السلطة القضائية لم تمارس بعد استقلالها عن السلطة التنفيذية ولم تتعود بعد على سلطة لم تمارسها بصورة فعلية في أي من العهود السابقة.

فالفصل بين السلطات مبدأ موجود في الدساتير ولكنه عمليا غير موجود فكيف إذا كان الدستور نفسه معطلا أو غير موجود أصلا كما هو الحال اليوم؟ أما بالنسبة للمحاكم الدولية فإن الأمر مرتبط بوجود اتهامات دولية صادرة بموجب قرار من مجلس الأمن خاصة وأن العراق ليس طرفا في النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية .

صدام قد يكشف معلومات.. إذا حوكم

* هل تتوقع أن يكشف صدام حسين عن معلومات سرية قد تحرج أو تجر أطراف إقليمية ودولية خصوصا الولايات المتحدة بشأن أحداث لم يكشف عنها جرت بينه وبين تلك الأطراف، وهل تسمح الولايات المتحدة بتقديرك بذلك؟

* السؤال هو هل ستكون هناك محاكمة أصلا؟ نأمل أن يكون الأمر كذلك فهناك بعض المحللين السياسيين أشاروا إلى أن من شأن المحاكمة هذه، في حال تحققها، أن تكشف أمورا لا ترغب بها لا الولايات المتحدة الأمريكية ولا بعض الدول الأجنبية ولا حتى بعض الدول العربية.

* كقانوني ما هي التهم التي يمكن أن توجه إلى صدام برأيك، وفي حال كنت قاضيا يحاكم صدام بناء على اطلاعك عن كثب على مجريات الأحداث في بلادك، هل كنت ستعتبره مذنبا فيما يختص بحلبجة وأحداث جنوب العراق في 1991 وغزو الكويت، وفي حال كنت محاميا عنه ماذا كنت ستعد في دفاعك؟

* إن أي اتهام بحاجة إلى إثبات فالأصل البراءة إلى أن تثبت الإدانة فلا يستطيع أي قانوني أن يجرم أحدا بدون ثبوت أركان الجريمة أو الجرائم المتهم بارتكابها طبقا للقانون فلا جريمة ولا عقوبة إلا بنص كما لا يستطيع أي قانوني أن يبرئ متهما ثبت ارتكابه لجريمة ما. وتوجيه التهمة ممكنة دائما ولكن يتوجب إثباتها ولم نتمكن من الاطلاع على النصوص القانونية التي استند إليها في توجيه الاتهام.

العراق كان محكوما بشكل "فردي"

* يقول مراقبون إن صدام حسين لم يكن مؤيدا من فصائل وفروع وقيادات حزب البعث، ما تعليقك على ذلك وكيف كان ينظر البعثيون لصدام حسين كزعيم للحزب، ثمة من يقول إن هناك شريحة كبيرة لا سيما قدامى البعثيين تتهم الرئيس السابق بأنه "خطف" الحزب في 1979 وأعدم رفاقه في القيادة وما قولك فيما تردده شرائح مقدرة من العراقيين أن مشكلة صدام كانت تكمن في أبنائه وأفراد أسرته الذين انتهكوا حرمات المجتمع وتصرفوا في الغالب وكأنهم خارج القانون بل فوقه، ويخص الكثيرون بالذكر نجل الرئيس (عدي)؟

* لم أكن يوما ما من الكوادر المتقدمة في الحزب ولم أكن منغمسا بشؤونه لذلك يتعذر علي الإجابة على هذه الأسئلة إلا في الإطار العام جدا وكمراقب ولا يخرج الأمر عن رأي شخصي.

لم يكن العراق دولة ديمقراطية وهذا هو حال معظم الدول العربية ولم يكن هناك حقيقة حزب يحكم العراق إنما كان هناك شخص واحد يحكم باسم الحزب الذي أصبح اسما بدون مسمى، هو الرئيس السابق صدام حسين الذي عين نفسه رئيسا رسميا للبلاد عام 1979 بعد أن كان الرئيس الفعلي للبلاد منذ عام 1968 إلى جانب الرئيس الرسمي أحمد حسن البكر وهما أبناء عمومة. ومن الطبيعي أن تجد أعداد كبيرة من البعثيين طوال فترة حكمه لم تكن راضية عن طريقة إدارته لشؤون الحكم بسبب تفرده وأفراد عائلته من إخوان وأبناء عم في السلطة، وفي الوقت نفسه لم يكن في يد هذه المجموعة الكبيرة من البعثيين شئ تفعله خاصة بعد أن تم إعدام عدد كبير من أعضاء القيادة القطرية للحزب في عام 1979 تمهيدا لاستلام السلطة بدون اعتراض.

لقد كانت الأمور تسير بشكل واضح للجميع في أن الحكم في العراق يقوم على حكم فردي وأن الحزب لم يكن أكثر من واجهة للحكم ولا توجد علاقة بين طبيعة الحكم وفكر الحزب وعقيدته، إنما كان الذي يقوله أو يقرره الرئيس هو الذي يشكل عقيدة الحزب وفكره.

وقد كان الجميع حتى قبل أن يستلم السلطة في عام 1979 يخشى من أن توجه إليه أصابع الاتهام بعدم الولاء لقيادة الحزب والدولة مع كل ما يترتب على ذلك من نتائج وخيمة. أحداث 1979 كانت الفاصل في التفرد في السلطة وفي قيادة الحزب وقد بدأ دور العائلة يظهر أكثر فأكثر مع تهميش للقيادات القومية والقطرية إلى أن وصلت الأمور إلى ما وصلت إليه في ارتقاء إخوانه وأقاربه بعضهم بدون مؤهلات أو إمكانات تذكر. ولكن هذا لا يعني اقتصار الأمر على الأقارب بل هناك آخرون مخلصون له شخصيا من كل الطوائف والقوميات تسلموا مناصب حساسة وهامة. هذا التوجه كانت له أثارا سلبية على المجتمع والدولة خاصة بعد أن تم اختصار الدولة والحزب في شخص واحد وفقا للمقولة الشهيرة "الدولة أنا وأنا الدولة".

ويبدو أن من يتصرف وفق هذا المبدأ يفقد القدرة في بعض الأحيان على محاكمة الذات ويعتبر جميع تصرفاته صحيحة كونه فوق القانون وقد انعكس ذلك الأمر على تصرفات العائلة وأبناء العشيرة وبذلك اختلط الشأن الخاص بالنسبة لهم بالشأن العام الأمر الذي أضر كثيرا بالدولة والمجتمع.

وقد سمع العراقيون عن الكثير من التجاوزات والانتهاكات التي يجب إحالتها إلى القضاء لكي يأخذ كل ذي حق حقه ويتحمل المسؤولية كل من أساء على أساس القانون والعدل، ليس بهدف التشهير فحسب بل لكي يعرف العراقيون ما جرى بالفعل بدلا من الشائعات التي لا أحد يعرف نسبة الصحيح منها وهو كثير، وأن يستفيد الجميع داخل العراق وخارجه من هذه التجربة القاسية في ما انتهت إليه وكان الخاسر فيها دائما هو الشعب العراقي الشهيد.

شبكة النبأ المعلوماتية - الثلاثاء 20/7/2004 - 1/ جمادى الثانية/1425