إن الإنسان إنما ينطلق في حياته من قاعدة الثقافة التي صنعت شخصيته،
لأن الثقافة تمثل القوالب التي تتشكل فيها شخصية الإنسان، وتحوّل
الحوادث والمتغيرات التي يمرّ بها إلى مكونات تتفاعل تلك الشخصية معها،
والثقافة إن كانت حية ونابضة بالحيوية والنشاط بإمكانها أن تحوّل كل
منعطف خطير بل كل محنة وشدة إلى معراج وسلم لكمال الإنسان.
أما إذا كانت الثقافة ميتة وجامدة فإنها سوف لا تجدينا نفعاً في
المحن والشدائد، ولكي يكون موقف الإنسان تجاه الحوادث الصعبة التي يمر
بها موقفاً إيجابياً، فيصنع من الخسارة مكسباً، ومن الهزيمة انتصاراً،
فلا بد له أولاً من أن يغير رؤيته للحياة، وبالتالي يغير ذلك المصنع
الخفي الكامن في نفسه الذي يستلم مواد الأفكار والثقافة ليحولها إلى
جسم حي نابض بالحركة والنشاط.
والإنسان المؤمن المزود برؤية سماوية، وبصيرة إلهية، وإيمان بقدرة
الله، وبرحمته الواسعة لا يتزعزع ولا يزداد وهو يواجه صعوبات الحياة
إلا صلابة وإيماناً وثقة باقتراب رحمة الله، فعن الإمام علي (عليه
السلام) عند تناهي الشدة يكون الفرج).
فشخصية الإنسان المؤمن الثقافية قد مزجت مزجاً بالأمل بالله – تعالى
– وبالتوكل المطلق عليه، فكيف يمكن أن تنهار هذه الشخصية؟
ولأن المؤمن يعيش الأمل، فإنه يفتش دائماً عن الطرق الكفيلة بالخروج
من الأزمات الصعبة بالرغم من اشتدادها، فليس من الصحيح أن نقول: إن
الله تعالى ينصر المؤمنين عبثاً عند اشتداد الكرب، وتفاقم الأزمات، ومن
دون سعي من قبلهم، والصحيح أن نقول إن على المؤمنين أن يكتشفوا وسائل
جديدة ليتغلبوا على المشاكل عند اشتدادها، وعندما تخيم على العالم
الإسلامي موجة من الإرهاب الجاهلي.
ولعل من القواعد الأساسية في حياة كل مؤمن هو ما ينقل عن الإمام علي
(عليه السلام) في دعاء كميل (يا رب يا رب يا رب، أسألك بحقك وقدسك
وأعظم صفاتك وأسماءك، أن تجعل أوقاتي في الليل والنهار بذكرك معمورة...)
حيث أن مراقبة الإنسان لجميع أفعاله وأعماله وحركاته وسكناته لأن
تكون ضمن دائرة رضى الله وذكره، فكل عمل صالح بمثابة ذكر لله، إذ
الإنسان المتذكر لله تعالى، والذي يعبده ويطيعه في السر والعلن، والذي
يرى الله مراقباً له في كل أحواله لا يصدر منه إلا العمل الصالح المفيد
للجميع.
حقاً لو أن الإنسان وفق إلى هذه الميزة التي لا تنال إلا بفضله
تعالى ورحمته، في أن يكون أوقاته من الليل والنهار معمور بذكر الله
سبحانه وتعالى، لأثّر فيه وخلق لديه حالة ترقب دائم واستعداد هائل
للعمل الصالح.
وذكره تعالى هو من أنواع الشكر الذي يهدأ روع الإنسان ويجعله قوياً
صامداً مطمئناً وليس خائفاً شارداً ضائعاً – ألا بذكر الله تطمئن
القلوب.
فهذه هي ثقافة الحياة المطمئنة، والسعيدة، حيث يعود البشر بعد كل ما
توصلوا إليه من العلوم والتطور في كافة المجالات والحضارات التي أقامها،
يعود كلها إلى معرفة الجبار كما في قوله تعالى (وما خلقت الجن والإنس
إلا ليعبدون...)
اللهم أجعل أوقاتنا من الليل والنهار بذكرك معمورة. |