مسألة حقوق الآخر لها صلة مباشرة بالوضعين الاجتماعي أولاً والسياسي
ثانياً ولكن ونحن في سني العقد الأول من القرن 21 الجاري تتراجع نسبة
الاعتراف بهذه الحقوق بشكل مخيف على مستوى الذات الشخصية قبل الاعتراف
بها من قبل الجهات الرسمية.
لعل حلول القرن 21 المقترن بظهور أطروحة (عولمة الكون) وما يتبعها
من توجيهات وتوجهات وما أ مست عليه ساحات مختلف البلدان من علاقات
سريعة تمور لأجل هجران الهوية أو التمسك بها بحسب القوى المؤثرة
الاجتماعية السياسية التي تقود كل بلد وما تستند إليه من منطلقات
أيديولوجية قد جعل سهم (صراع الهوية) في ديمومة لا يبدو أنها ستنتهي
بخير إذا ما استمرت الأحوال على نمطها الجاري الآن الذي أوصل قضية
الاعتراف بحق الآخر اعترافاً ناقصاً من الناحية العملية فبدلاً من أن
تشهد البشرية تقدماً على قضاياها الحيوية يلاحظ أنها وصلت إلى نقطة
الصفر وهذا التقهقر في موقع البشرية في العصر الراهن قد سحب معه مبدأ
الاعتراف بذاك الحق للآخر إلى نفس درجة الصفر وخير دليل على هذا أن
أعداد منظمات حقوق الإنسان في العالم الذي تجاوزت أرقامها المئات ومن
ضمنها (منظمة العفو الدولية) بصفتها منظمة دولية تديرها هيئة الأمم
المتحدة ذاتها إلا أن الدفاع عن حقوق الآخر وخصوصاً الإنسان المنكل به
ليس هناك من يدافع عنه بجدية فائقة وفي أحيان كثيرة لا يتعدى مضمون
الدفاع عن الإنسان المضطهد السجين مثالاً – أكثر من كلام لأجل الكلام
حيث لا منقذ حقيقي له من سجن كيفي وضع في إحدى زنزاناته.
والتوقعات لدى المتابعين لمسألة الحرية في العالم ينظرون إلى
الصفقات السرية التي تُجرى بين بعض عصابات الدولة الحاكمة ما جعل أي
منظمة لحقوق الإنسان تعمل في إطار الكلام فقط ومع الأسف الشديد هذا هو
الواقع الجديد الذي أضحى لا يبشر بخير قريب كي ينصف الإنسان المقتدر
أخيه الإنسان الضعيف.
لقد ضاعت أعمار طويلة من البشر إبان حقبة القرن العشرين المنصرم
واليوم تصطدم البشرية بالواقع المزري الذي تعيشه رغم أن الدعاية
المزوقة لإعطاء دفعة من الأمل للحصول على شيء كبير من حرية حقيقة يتمتع
بها الإنسان الآخر المختلفون معه في الرأي أو الموقف البديهي مسألة لم
توضع لها حلول عقلانية وهذا ما يجرح الخاطر للإنسان المثقف المعاصر
الذي يرددون عليه (بالفرض) أنه يعيش عصر الثورة العلمية والتكنولوجية
الراقية فما الذي تستطيع البشرية فعله في عالم يسيطر فيه الأقوياء.
إن صرخة الحرية التي كانت يوماً عالياً على الشفاه والحناجر أصبحت
اليوم همسة يتهامس بها المواطنون الواعون في كثير من بقاع البلدان بحيث
أصبح توجيه تهمة الافتراء على كل من يرفع صوته محتجاً على باطل أصغر
تهمة يوجهها القانون المحلي لـ(الدولة المعاصرة) ضد من تريد أن تؤدبه
كي لا يتطاول على المؤامرة المحاكة ضد حقوقه الأساسية.
إن تعقيد الأوضاع السياسية قد حلّ اليوم مكان الصدارة في العلاقات
بين العاملين في الحقل السياسي إذ تبدو صورة الانسجام بين نظامين
يدعيان عبر قيادتيهما بأنهما متفقان في وجهات النظر فيها من المغايرة
ما يمكن أن تركز حصاراً جديداً على أي توجه جاد ممكن أن يؤدي لتعزيز
مبدأ حق الآخر في أن يقول كلمة (لا) الموضوعية ومن أي خوف أو دجل.
والثبات على مبدأ تمتع الآخر بحقوقه كاملة غير منقوصة رغم أن فيها
من السحر وشاغل للناس الأسوياء الذين يرفضون أن يتسرب اليأس إلى قلوبهم..
فإن هذا ما يمكن أن لا يكون فيه أي مبالغة بسبب كون الإنسان هو أسير
ظرفه المفروض عليه في أحيان لا يفضل الاستشهاد بها لكونها من أوليات
الواقع المرسوم بقوة النفوذ الخفي عليه سواء كان ذلك بفعل الدولة
المحلية التي تحرك الأمور ذاتها لصالح بقاءها على قيد الحياة لأطول
فترة ممكنة أو سواء كونها تنفذ تعليمات سياسية دولية مبلغة بتطبيقها من
حيث رضيت بذاك أم لم ترضى..
ومن مآسي العقد الأول من هذا القرن الحادي والعشرين المسمى زوراً
وبهتاناً بالقرن العلمي أن دبيباً من الإجراءات المشددة تقوم بها معظم
حكومات العالم لإسكان أي ناقد إيجابي لسياساتها مما جعل مسألة (حقوق
الآخرين) في حالة تقنين لا ينال قسطاً متواضعاً منها إلا ذوو حاملي (لواء
الارتزاق)..
ومن دراسة وقائع الأحوال للإنسانية المعذبة على الأرض فإن مبدأ حقوق
الآخر في نفسية المواطن العادي الآن وهو يتطلع إلى اضمحلال الكثير من
الآمال التي طعنت بها أغلب السياسات المعاصرة طعنات قاتلة في العلن
والخفاء بحيث أن هذه النفسية أضحت تسخر من أولئك الأقوياء الذين يدعون
الحرص على تلك الحقوق ممن لم يستطيعوا إثبات وقائعها على أرضية الوقائع. |