يعرف الأشياء بأضدادها، قاعدة مثالية وعملية أيضاً، ففي حالة اعتراء
الضبابية حول الشيء يمكن قشع الضباب عنه بضده واستجلاء أمره.
ومن هنا لنجرب معرفة قيمة الصدق وذلك بتصور تفشي داء الكذب الخطير
في المجتمعات الإنسانية عندها ماذا يحل بهذا المجتمعات؟
حسبنا هذا الداء الخطير الذي يفتك بالمجتمعات ومن الممكن أن يصاب به
الإنسان من بداية حياته إلى نهاية حياته، فعن الإمام علي (عليه السلام
الكذب فساد كل شيء.
وعن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) (الكذب ينقص الرزق) وأيضاً
(كثرة الكذب تذهب بالبهاء)
وعن الإمام الصادق (عليه السلام) لا تستعن بكذاب فإن الكذاب يقرّب
لك البعيد ويبعد لك القريب.
وأكثر من ذلك عن الإمام الباقر (عليه السلام) كان علي بن الحسين (عليه
السلام) يقول لولده: (اتقوا الكذب، الصغير منه والكبير، في كل جد وهزل،
فإن الرجل إذا كذب في الصغير اجترأ على الكبير..)
وهكذا تندثر الصفات الحميدة والأخلاق الإنسانية لتحل محلها الرذيلة
وانعدام الثقة والنفاق والباطل والمماراة والجهل والجرائم.
ومن هنا للصدق أبعاد اجتماعية وسياسية واقتصادية في المجتمعات خصوصاً
المتقدمة منها تتجاوز العلاقات الشخصية والتعامل بين الأفراد، لأن
الصدق كقيمة أخلاقية يتضمن المصداقية التي ينبغي أن تتوافر في مجتمع
المستقبل في جميع المجالات، بما في ذلك علاقة المواطن العادي بأجهزة
الحكم وفي إدارة الأعمال والخدامات العامة التي تقدم للجماهير كما
يقتضي سهولة الحصول على المعلومات الصحيحة والدقيقة مما يعني توافر
درجة عالية من الشفافية، وبالتالي مراعاة حقوق الفرد أو المواطن العادي
بكل ما يتيحه له ذلك من القدرة على مواجهة السلطة بحقائق الأمور وهو ما
يعبر عنه أحياناً بالقدرة على مواجهة القوة بالقدرة على مواجهة القوة
بالحقيقة والواقع.
والقرن الحالي هو القرن الذي سوف يبلغ فيه النمو العلمي والتكنولوجي
مستوىً لم يعرفه تاريخ الإنسانية من قبل، ولكنه يلاحظ أن هذا النمو قد
يؤدي إما إلى الفوضى والخلل والتفكك والحروب وانتشار المجاعات والأوبئة
وإما إلى الدخول في عصر من التعاون الإنساني والتنمية والتقدم والسلام،
وذلك يتوقف إلى حد كبير على نوع القيم التي سوف يختارها البشر أنفسهم
ويعملون على تنميتها واستمرارها وترسيخ مشروعيتها، وعلى ذلك فإنه يتعين
أن يحسن الناس اختيار القيم التي يرونها أهميتها بالنسبة لمستقبل
المجتمع الإنساني ككل، وأن يتم ذلك الاختيار أو الانتقاء بطريقة
عقلانية رشيدة واعية وهادفة، وألا يتركوا للمصادفة أو للظروف الطارئة
كما عليه جيرالد لارو.
ولكن المقترحات العقلائية المنصفة يجب علينا أن نتحلى بصفة الشجاعة
لقبولها وإن كان مغايرة لأفكارنا، ومما يدعونا إليه العقل البشري على
سبيل المفاضلة هو قبول الأصلح من القوانين والأنظمة والتي تستطيع تلبية
حاجات الإنسان الحالية والمستقبلية وليس الكلام فقط في صفة الصدق مع ما
فيها من آثار إيجابية حميدة وتنسجم مع الطبيعة الإنسانية الخيرة، بل
الكلام بشكل عام عن كل الصفات الإنسانية والأخلاقية.
والذي يشهد له البشرية على مرّ العصور والأزمنة ومختلف الأماكن بكل
أجناس البشر فيها أن قوانين الدين الإسلامي الحنيف وتعاليمه السمحاء
العادلة والسليمة فلا ظالم ولا مظلوم فيها بل الكل سواء فيها – هو
الأجدر لقيادة الحياة، فهو دين لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من
خلفه ولا من فوقه ولا من تحته فهو منزل من قبل جبار السماوات والأرض
وهو له من الحافظين. |