باختيار الرجل للمرأة لتكون شريكة حياته إلى الأبد وموافقة المرأة
على ذلك تكون رحلة الحب المقدس بينهما قد بدأت وما سيعزز نجاح هذه
الرحلة هو الإخلاص والتفاني فيما بينهما من أجل تأسيس أسرة ناجحة تكون
أفضل نواة ممكن أن ترفد المجتمع بنموذج ناجح للزواج.
ومن أولوية النجاح في الزواج أن يكون الاختيار للطرف الآخر سليماً
وتعلوه المشاعر الجادة كي يحفظ كل من الرجل والمرأة الطرف الآخر له وأن
يقررا اجتياز المهام الصعبة التي قد تعترض حياتهما وأن يتعاملا مع كل
ظرف بروح مسؤولية الفريق العائلي الواحد فالاختيار الذي توّج العلاقة
ما بين الرجل والمرأة بعقد زواج وأطلق عليه بالوصف كـ(شريكين) في العقد
فإن هذا لا يوحي وكأن الزواج بينهما يشبه عقد تأسيس شركة تجارية إذا أن
بعقد الزواج ما يعني ضمناً إلى استحالة إجراء الطلاق أو الافتراق بين
الزوجين إلا إذا تحكمت بمصير الزواج ظروف خارجة عن إرادة الزوجين.
وطبيعي فإن الطلاق إذا تم بين اثنين رجل وامرأة دون أسباب موجبة كأن
يكون أحد الزوجين قد ظلم الآخر فهذا ما سيسبب عناء كثيراً للطرف
المظلوم في الزواج لذا يلاحظ أن الشرائع ومعها القوانين الوضعية في
معظم البلاد ذات الأعراف الحضارية تستهجن أن تجرى عمليات الطلاق بين
المرأة والرجل على أساس من مجرد تلبية الرغبة اللامشروعة عند الطرف
الآخر سواء كان ذلك الطرف الرجل أو المرأة.
لا شك أن عملية اختيار الزوجة أو الزوج فيها أحياناً من العثرات
اللامتوقعة ما يمكن أن تنغص العلاقات بين الزوجين لذا يقضي الحال أن
يكون الاختيار بتأن والتأكد فيما إذا كان الطرف الآخر (الرجل أو المرأة)
كفوءً وملائماً للطموح. وبهذا الصدد يمكن الاستشهاد بأن طوارئ الزمن لا
يمكن أن تغير الإخلاص بين المخطوبين فقد أفادت الأخبار المنقولة عن
المغرب قبل فترة وجيزة أن المخطوبين الجندي المغربي واسمه (عبد الرحيم)
وعروسه تدعى (بهية) بعد أداء مراسم الخطوبة وقع الجندي عبد الرحيم في
الأسر وأودع السجن في مجاهل الصحراء الغربية منذ سنة 1979م وبقي سجيناً
مدة (24) سنة ثم أطلق سراحه في شهر تشرين الثاني من السنة الماضية
2003م ضمن (300) عسكري كانوا معه.. فأنطلق عبد الرحيم (حراً) إلى بيته
ليتزوج من عروسه بهية التي كانت قد علمت بأسره إلا أنها بقيت على
وفاءها واحترامها لاتفاق الخطبة التي وقعت بينهما ولم تفسخها أو تتنكر
لها طيلة هذه السنوات الطويلة حتى أتم الله لهما زواجاً سعيداً على سنة
الله سبحانه وتعالى ورسوله الأمين محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) وضمن
تصريح لها قالت بهية: (لم يرد على خاطري أبداً أنني فقدت زوجي كنت على
يقين أنه سيعود يوماً ما، لم يحدث أن أفصحت عما يعتصرني من ألم بل آثرت
أن أكتمه بين ضلوعي) وفي هذا مثال طيب على الإخلاص الثابت بين زوجين
أراد الله العلي القدير أن يجمع شملهما رغم مصائب الزمن وذلك لأن
الشعور بالاختيار الصحيح فيما بينهما كان مؤمناً في نفسية عبد الرحيم
وبهية.
أما الاختيار السريع اللامتفحص للأمور إذا ما حدث بين اثنين فغالباً
ما يؤديا أو يؤدي أحدهما الثمن غالياً وقد لا يعوض شيء في الحياة عن أي
تضحية بالمصير تتم عن جهل أو تسرع بمثل أمر حساس كالزواج.
والبحث عن اختيار الشريك الأفضل أو الشريكة المناسبة في الزواج قد
يشوبه شيء من عدم حفظ الذكرى بين أحد الزوجين إذا ما فقد الطرف الآخر
عن طريق حادث طارئ مثلاً إذ أن نجاح الزواج المؤكد يفضل أن لا يكون
لإشباع غريزة الجسد بل أن يتعدى الإنسان ذلك (امرأة كانت أم رجل) إلى
الارتفاع فوق هذه الغريزة إلى غريزة الروح بينهما التي بدونها فإن كل
زواج يكون حاملاً لبذرة عدم معناه وأن كان مستمراً بين الزوجين، فلقد
وصل الحال ببعض المجتمعات الحضارية أن حفظ الزوج لذكرى زوجته أو حفظها
هي لذكرى زوجها أن امتنعا عن الدخول ثانية إلى قفص الزوجية بعد فقد
الحبيب الزوج أو الحبيبة – الزوجة.
ومن المعتاد فإن الإبقاء على الموقف الصحيح للعيش المستمر مع الزوج
أو الزوجة يرتبط بتوفر شروط الذوق والنظافة وحسن الخلق وأداء فرائض
الإيمان والجهر بالعبودية لله سبحانه وتعالى ولعل بدون توفر مثل هذه
الشروط والمنطلقات فليس هناك زواج يمكن أن يسمى بكونه (زواج ناجح) وتلك
حقيقة لا يمكن تجاوزها.
إن تأسيس أسرة ناجحة يسودها الحب الطاهر والاحترام المتبادل هو حلم
كل فتى وفتاة ينظران إلى الحياة نظرة طبيعية ومتفائلة وعفيفة يثبت
خلالها كل منهما إخلاصه المتناهي للآخر في رحلة الحياة السهلة – الصعبة. |