قبل
الموعد المقرر بيومين تسلمت الحكومة العراقية السلطة من قوات التحالف
عبر مراسيم متواضعة لم يحضرها سوى وزراء الحكومة وقليلون غيرهم، وهو
حدث مفاجئ عكس مخاوف جدية من قيام الجماعات المسلحة بأعمال تخريبية
في الموعد الذي أعلن قديما، الأمر الذي حدا بالحكومة العراقية وربما
بسلطة الاحتلال أيضاً إلى تقديمه يومين..
ولكن الأهم بالنسبة للعراقيين هو شعورهم بالسير بالاتجاه الصحيح
على طريق استعادة كامل سيادتهم وبناء عراق حر ديمقراطي تعددي، لذلك
قوبلت هذه الخطوة بترحيب واسع من الشارع العراقي الذي شهد بالتزامن
انتشارا واسعا لقوات الأمن والحرس العراقي وبشكل مكثف لتحل محل
القوات الأجنبية.. وعكست أحاديث العراقيين الخاصة والعامة في أماكن
عملهم ودوائرهم وأسواقهم، عكست مشاعر الفرحة لديهم بهذا التطور الذي
(انتظروه طويلا)
على حد تعبير بعضهم.
الحوزة العلمية في النجف الأشرف بدورها رحبت بانتقال السيادة
للعراقيين ولكنها لم تنس أن تذكر الحكومة العراقية بالتزاماتها التي
قطعتها للشعب العراقي، وحثتها على السعي لاستعادة ما تبقى من عناصر
السيادة الوطنية.. تيار الصدر رحب هو الآخر بالحكومة، وجاء ترحيبه
هذه المرة على لسان أحد أنصار السيد مقتدى الصدر" الشيخ الخز علي"،
وبدا موقفه متسما بالتهدئة بعد أن عارض الصدريون كل الخطط السابقة
التي صدرت عن مجلس الحكم السابق، ولكنهم هذه المرة أعربوا عن
استعدادهم للتضامن مع الحكومة الجديدة، وأكثر من ذلك سير جيش المهدي
دوريات مشتركة مع القوات العراقية لحفظ الأمن بعد أن أعلن إيقافه
للعمليات المسلحة ضد الشرطة العراقية، واعتبر أي عمل يقوم به بعض
أفراده خروجا على هذا القرار، الذي جاء على خلفية الأعمال التي طالت
عناصر الشرطة والجيش ومؤسسات الدولة، والتي رفضها الصدريون وعدوها
أعمالا تخريبية..
أما هيئة علماء المسلمين فهي الوحيدة على ما يبدو التي شككت بنقل
السيادة وهاجمت الحكومة المؤقتة معتبرة انتقال السلطة إجراء شكليا
هدفه (الضحك على العراقيين)
حسبما جاء على لسان بعض أعضائها، وهو الموقف الذي عزاه بعض المراقبين
إلى تحفظات ومخاوف أبدتها الهيئة على تشكيلة الحكومة العراقية معتبرة
إياها قد تشكلت على أساس عرقي وطائفي في امتعاض واضح من حضور كردي ــ
شيعي واسع فيها، الأمر الذي دفع الهيئة أيضا إلى رفض المشاركة في
المجلس الوطني الذي يعد للانتخابات القادمة..
وبالعودة إلى مشاعر العراقيين من نقل السيادة وتسلم قوى الأمن
الوطنية الملف الأمني قال سائق التاكسي (محمد
عارف 32عاماً)
حين عبوره من أمام سيطرة لقوات الشرطة والجيش العراقي بعد يوم واحد
من تسلم السيادة (هؤلاء هم الذين سيقضون
على العنف في العراق لأنهم أحرص على بلدهم وأقدر على التعامل مع
الغرباء).
بينما قال (عبد الحسن العبادي
45 عاماً) ويعمل في بيع الأقمشة:
(هو يوم سعيد لأنه يعني الاستقلال، وإن شاء الله سيواصل شعبنا
بناء العراق واستعادة كامل سيادته وإجراء الانتخابات الحرة).
ولكن المواطن(ق.ع)
لم يكن متفائلا كالآخرين (السيادة تعني
أنك تمتلك كامل القرار في بلدك، فهل تملك حكومتنا كل القرارات ونحن
نرى الطائرات الأمريكية تحلق فوق رؤوسنا).
ولكن الممارسات التي يشهدها الشارع العراقي من الشرطة العراقية
وقوى الأمن الأخرى تشير إلى اتساع كبير في دائرة صلاحيات هذه الأجهزة
التي انتشرت بشكل لافت في شوارع المدن والطرق الخارجية إثر اختفاء
القوات الأجنبية، وقد سجلت القوى الأمنية العراقية حضورا كفوءا خلال
الأيام القليلة الماضية بإلقائها القبض على متورطين عرب وعراقيين في
أعمال عنف واختطاف وجرائم أخرى، وبإفشالها محاولات عديدة لتفجير
عبوات ناسفة وسيارات مفخخة في الشوارع العراقية، لاسيما في بغداد وكر
بلاء وواسط والناصرية. وهو أمر جاء على خلفية التعاطف والتفاعل
الكبيرين الذين أبداهما العراقيون مع قوات الأمن العراقية والتي جاءت
أيضا كرد نفسي على التفجيرات العشوائية التي قامت بها مجاميع مما
يسمى بــ(المقاومة العراقية)
وراح ضحيتها مئات المدنيين العراقيين الأبرياء.. ففي منطقة حي العامل
في مدينة كر بلاء ضبطت قوات الشرطة العراقية مئات الكيلوات من
المتفجرات والأعتدة كانت مخبأة في بيت مهجور بعد قيام أحد
المواطنين بالإبلاغ عنها، وفي بعقوبة شارك العراقيون قوات الشرطة في
قتالها ضد العناصر المسلحة التي هاجمت المدينة، وهو تطور كبير ربما
يسهم مستقبلا في الحد من أعمال العنف التي تجتاح البلاد..
|