إننا نعيش في عصر النمو الجمالي في الإحساس البشري، فلا ترى إلا
جميلاً من خلق الله والإنسان لا يقتني إلا الجميل من كل شيء من ديكور
البيت وأثاثه موقعه ومساحته وحديقته ومطبخه وشارعه وجميع متعلقاته
وكذلك انتقاء أجمل الملابس والزينة والحلي والاهتمام بالشعر والبشرة
والحذاء والجورب وأيضاً اختيار أفخم الفنادق والمطاعم في السياحة
والسفر إلى أرقى المناطق وأجملها طبيعة وأكثرها سحراً، خصوصاً مع نمو
القدرة الشرائية للناس في أكثر الدول وعمل وسائل الدعايات والإعلان على
دفع الناس إلى الشراء وإفراغ الجيب وابتكار طرق حديثة لإقناع الزبائن
على الشراء بكل رضا وذلك بتوفير أقساط مريحة ومضاعفة الربح.
كل ذلك في حدوده المعقولة مطلوب فالله سبحانه وتعالى يقول (قُلْ مَنْ
حَرَّمَ زِينَةَ اللهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ
مِنْ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ
الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ
لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ).
وكذلك الأحاديث الواردة عن المعصومين كـ(إن الله جميل يحب الجمال..)
ولكن الحذر من أن يصبح الديكور والاقتناء نقمة بدل أن تكون نعمة،
خصوصاً في الأسر التي تحتوي على أطفال صغار، فالأطفال وعلى الخصوص
البنون منهم لا يملون من الحركة الدائبة، واللعب المستمر، وإنك لتكاد
تسمع طنينهم، وضجيجهم المتعالي إلى عنان السماء، حتى إذا خيم الليل
استسلموا لسبات عميق، وكأنهم عمال قضوا يومهم جاهدين في هدم الجدران
والبيوت، أو فلاحين عادوا وقد أضناهم الحرث، وأهلكم التعب.
فاللهو واللعب يُعتبر عند الأطفال قضية أساسية في حياتهم، ولهذا فهم
يتفننون ويحولون كل شيء إلى مادة للعبهم، ولو اقتضى ذلك أن يقلبوا
الدار إلى مدينة للألعاب، ويصنعوا من لوازم البيت وأثاثه بيوتات صغيرة
لهم.
وهكذا يجد الطفل لذته وفرحته في اللعب بالأخشاب، والكراسي والطاولات،
كما يستأنس أيضاً بالفراش والسجاد والسرر والمساند، ولعلك تجده وقد جمع
الأفرشة، وصعد على المنضدة أو على أي شيء رفيع، وبدأ يقفز، ثم يصعد ثم
يقفز، ويعود الكرة وهو في نشوة الفرح الكبير.
فهل المطلوب أن نترك العنان لأطفالنا ليفعلوا ما يشاؤون؟.
الجواب: لا.. ليس من الصحيح أن نعطي الأطفال الحرية الكاملة لكل ما
يفعلون، فالإفراط في الحرية يفسد أكثر مما يصلح، ولكن قليلاً من الحرية
أمر ضروري لنمو قدرات الأطفال، وإسعادهم.
ولا يغيب عن بالنا أن البيت والأثاث، والديكور إنما هو لإسعاد
الأبناء لا لشقائهم، ولهذا فلا يجوز أن نطرد الأطفال إلى خارج البيت،
لكي لا يتسببوا في تعكير الأجواء، ولا يلمسوا الأثاث، ولا يمشوا على
السجاد، ولا ينطقوا بكلام.
فهل أثاث البيت والديكور وضع لكي يكون متحفاً أنيقاً للمتفرجين
والسائحين، أم لخدمة الأهل والعيال والأبناء والترفيه عنهم؟
فعلينا المحافظة على أناقة بيوتنا، وجمالها الرائع، ولكن دون أن
يكون هذا هو مبلغنا الأول والأخير ولو على حساب ضياع أبنائنا في
الشوارع والأزقة، بل علينا أولاً الاهتمام بسعادة أبنائنا ولو بتلف بعض
الأغراض والتي يمكن تعويضها وشراء غيرها وثانياً علينا أن نؤدبهم
ونعلمهم كيفية المحافظة على النظام والديكور، والممتلكات المنزلية
الأخرى.
إذن لنترك المجال للعب الأطفال في الدار والاستفادة منه، ولكن
بالمقابل علينا أن نرسم لهم الحدود التي يجب أن لا يتجاوزوها في لعبهم.
وأن نعلم أن الأطفال هم رونق الحياة وبهجتها وهم سر الفرحة في
القلوب والجمال في العيون فهم يحولون البيت الجامد والجدران الصامتة
إلى جنة فيها أحياء يرزقون ويتنعمون. |