سبق أن قلت أن أوروبا(1) قبل 11 أيلول كانت بمثابة
الطرف الراكع أمام مصالح الولايات المتحدة وخاصة أنها كانت تستعد
للمزيد من انضمام الدول إلى الاتحاد الأوروبي، لتشكل قوة اقتصادية مهمة
في هذا العالم المتغير، وكان سبق أن قلت أن العالم بعد انهيار الاتحاد
السوفيتي وبروز الولايات المتحدة الأمريكية (القطب الأوحد) أصبحت قمرة
القيادة لا تتسع لأكثر من رجل واحد يمثل دولة كبيرة.. تملك الكثير من
الإمكانيات اللوجستية والاستراتيجية، لتبرير زعامتها، وهي مطالبة الآن
بإعادة صياغة مفهومها لذاتها وللعالم المحيط بها (أوروبياً) بعد 11
أيلول، لوجدت أوربا نفسها في موقف ليس الراكع ليحاول القيام بدور ما،
إنما في وضعية الزاحف، نحو مصالحها أولاً ومن ثم تلمس موقعها الجديد
على خارطة تشكل العالم أمريكياً، وما بينهما، ثمة سياسات إقليمية تحاول
المراهنة على صعود قوة أوروبا تارة وعلى حكمة السياسة الأوروبية التي
اختبرت كل أنواع الاستعمار من جهة أخرى، لكن الشيء الذي لم يبرز في
نتائج هذه السياسات عندما تتعرض مطابخ القرار الأوروبي لأدنى ضغط،
سرعان ما تكشف عن تطابقها مع الموقف الأمريكي، مثال إيران الآن والأبرز
مدى تأثير ونفوذ أوروبا في كثير من الاستحقاقات الإقليمية، والتي يراهن
البعض على الاتكاء لفاعلية الدور الأوروبي وخاصة فيما يتعلق أولاً
بالصراع العربي الإسرائيلي وتالياً بامتلاك دولة الكيان الصهيوني
للسلاح النووي، المدعوم أمريكياً، لنستخلص أن أوروبا تنظر إلى مصالحها
وعلاقاتها في البلاد العربية بعينين مفتوحتين، وعقل متحرر وفي موافقها
لمصالح الشعوب العربية ترى بعين مفتوحة واحدة حذرة.. مشككة، ولا مانع
أن ترى بعينها نحو دفع العلاقات مع الكيان الصهيوني بكلتا عينيها،
تقديراً لدور ووظيفة هذا الكيان حاضراً ومستقبلاً وسبق(2)
أن قلت أن أوروبا المتواطئة مع نزعتها الاستعمارية التقليدية ولبوسها
التحرري التنويري، تعيّ تماماً أن علاقاتها ومصالحها واتفاقياتها مرهون
بحبس الغول الإسرائيلي في القفص الأمريكي ولو إلى حين، تقديراً أن
منطقة الشرق الأوسط مكبلة للمعدة الأمريكية على الأقل في مرحلته
التأسيسية فيما رأى البعض أن تعديلات المشروع الأمريكي الجديد المعدل،
لعب الأوروبيون دوراً في تعديله، طبعاً إلى جانب بعض الحكماء العرب،
رغم اقتناعهم أن هذه التعديلات لا تخرج من الفارق بين مضغ نتائج هذا
المشروع، وشربه أمريكياً وتالياً قص أظافر بعض الحكومات التي تحاول
خرمشة جدار هذا المشروع الكبير، ومن جهة أخرى انتصار للدور الأوروبي في
سياسته المعلنة تجاه شركائه في المستقبل، والسؤال المهم أمام هذه
المعطيات في السياسة الدولية وانعكاساتها الإقليمية، وأمام عقبة ظاهرة
الجمود والسكونية الذي يلف منطقة الشرق الأوسط، وحاجة المنطقة إلى
الإصلاح عند العرب والتغيير عند الأمريكيين وما بينهما أوروبياً، ما هي
حظوظ نجاح مثل هذا المشروع، وكيفية تحقيق الحد الأدنى من الطموحات لكل
الأطراف؟ ورأي واعتقادي أن منطقة الشرق الأوسط الجديد، وبعد أن خذلت
الولايات المتحدة المعارضات العربية وذلك باعتماد التعاون مع الحكومات
مباشرة في قضايا الإصلاح، وعلى القطاع الخاص ومساهمات المجتمع المدني؟
الحاضر الغائب في الحياة العربية من المحيط إلى الخليج وفي القطاع
الخاص الذي يحمل براءة اختراع البيروقراطيات العربية وفي رغبة معظم
الدول العربية بإجراء تحولات وتغييرات إصلاح سياسي في غياب البنى
والأساس المادي والاجتماعي والثقافي والسياسي للإصلاح، وأخيراً ما هو
متوقع حصد نتائج ظاهرة العنف والإرهاب، بتراجع حدة الخطاب السياسي ولغة
التحذيرات وتقدم الضمانات والمساعدات على شاكلة المساعدات التي تقدم من
قبل صندوق النقد وبقية المؤسسات الدولية لتجني من فوائد الديون أضعاف
الرقم الممنوح وبذلك تتحقق نبوءة سماحة الإمام محمد الحسيني الشيرازي (قدس
سره) في رؤيته إن الغرب أعطى الجائع نصف الرغيف، ونصف الحرية، فيما
الإسلام الحقيقي دعا إلى الحرية الكاملة ورغيف الخبز الكامل.
aboalibassam@gawab.com
1- موقع النبأ (قراءة في مشروع الشرق الأوسط المعدل)
2- المصدر نفسه |