العلاج بالصدمة الكهربائية عادة ما يتم بدون مخدر في اكبر مستشفى
للامراض النفسية والعصبية في العراق.
وهناك 16 طبيبا فقط يقومون على علاج 900 مريض. واحيانا تسقط بعض
طلقات المدفعية في البهو لتضيف الى متاعب المرضي غير المستقرين.
لكن لايزال هناك بصيص من الامل في مستشفى الرشاد التعليمي للامراض
النفسية وهي منشأة كبيرة المساحة وقعت بين يدي القوات الامريكية
ومسلحين بينما تلملم جراحها في اعقاب عمليات السلب والنهب واغتصاب
بعض المريضات في العام الماضي.
ويأمل المستشفى من خلال تنظيف منشآته وتنظيم ورش عمل ومشاريع عمل
للمرضى في تخفيف المعاناة من الامراض النفسية في مدينة نكبت بالعنف
الذي لايوفر الكثير من الصحة والسلامة خارج جدرانه.
وقال هاجوب اوزونيان (50 عاما) الذي تعلم الانجليزية في لوس انجليس
قبل اعوام انه يخشى من الخروج من المستشفى والتوجه الى اي مكان في
بغداد واضاف انه يشعر انه اكثر امانا في المستشفى.
ويقول اوزونيان انه حتى اذا كان بوسعه مغادرة المستشفى فاين يتوجه في
ظل تفشي البطالة في بغداد بعد رحيل الشركات الاجنبية من العراق على
حد قوله واضاف "آمل ان تتحسين الاوضاع."
واوزونيان رجل متيقظ الا انه مثل 75 في المئة من مرضى المستشفى يعاني
من انفصام الشخصية وهو مرض يتم تجاهله في العراق والعديد من الدول
العربية.
ولم تكن الامدادات الطبية متوفرة بشكل كامل خلال 13 عاما من
العقوبات الدولية على العراق كما ان الصورة لم تتحسن كثيرا بعد ان
اطاحت قوات بقيادة امريكا بصدام حسين ووعدت بالرخاء.
ويقول الطبيب ياسر عبدا لله "نحن في حاجة ماسة الى مواد تخدير. ونحن
نضطر لاجراء صدمات كهربائية ما بين مرتين الى ثلاث اسبوعيا ولا يتوفر
لنا تقريبا اي شيء يخفف الالم."
وفي مكان قريب يكرر مريض كبير في السن سؤال أحد الزوار عن الوقت ثم
يعتذر بعد ذلك بشكل مؤثر. وهناك مريض اخر يمسك بمرآة ويصيح قائلا "شاكو
ماكو".
ومن الصعب جدا تهدئة المرضى والمساعدة في استقرار حالاتهم في ظل
الاوضاع التي تبعث على التشتت كثيرا في بغداد.
فقد خلقت المعارك بين قوات الاحتلال الامريكية وبين المقاومين بعد
انتهاء الحرب ازمة وجدانية جديدة في الاقسام القريبة من احدى القواعد
الامريكية.
سقطت ست طلقات مورتر وقذيفة صاروخية على المستشفى مؤخرا. وركضت
المريضات الى الممرضات واحتضنهن من شدة الخوف.
ويقول فاضل سلمان المسؤول الاداري بالمستشفى "حالفنا الحظ حتى الان.
لم يصب او يقتل احد جراء الانفجارات الا انها تخيفهم. وسقطت قذيفة
صاروخية في غرفة بها تسعة حراس.. كما سقطت قذيفة اخرى قرب خزان
الوقود بالمستشفى وهو خزان استراتيجي لوزارة الصحة. كان من الممكن ان
يؤدي ذلك الى كارثة."
ومتاعب مستشفى الرشاد وهو المستشفى الوحيد في العراق الذي يعالج
الامراض النفسية والعصبية المزمنة ليست وليدة اليوم.
فقد هرب مئات من المرضى بينهم عدد من الخطرين عندما هاجم لصوص
المنشأة وقاموا باعمال سلب ونهب بعد سقوط بغداد في ابريل نيسان 2003.
ويقول المسؤولون بالمستشفى ان خمس مريضات تعرضن للاغتصاب وظهرت اعراض
الحمل على اثنتين منهن. وقتلت مريضة بعد اطلاق النار عليها.
ويحاول القائمون على المستشفى مساعدة المرضى على نسيان وتجاوز
الذكريات الاليمة عن طريق توفير ملابس زرقاء اللون واعطائهم مرتبات
للقيام باعمال مسلية والبعض يقوم بالحياكة في حين ينظم اخرون عقودا
ملونة.
وأسفر ذلك عن نتائج ايجابية بالنسبة لبعض المرضى.
تقول جميلة ياسين (27 عاما) انها تشعر بتحسن الان وانها كانت خائفة
جدا عندما بدأت الحرب وان الطائرات كانت تضايقها فعلا. وتقول جميلة
انها ليست مريضة ولاتعاني شيئا. ويهز مسؤولو المستشفى رؤوسهم قائلين
ان امامها شوطا طويلا مثل كثير من المرضى الاخرين.
وهناك 400 مريضة في المستشفى ولايوجد اخصائي واحد لامراض النساء.
وهناك طبيب اسنان واحد فقط بالمستشفى.
ويجلس بعض المرضى على الارض يدخنون السجائر وينظرون احيانا الى شاشة
التلفزيون القريبة.
وتقول ابتسام راضي وهي ممرضة مسؤولة عن 37 مريضا ان المستشفى بحاجة
ماسة الى ملابس للمرضى الذين يمزقون ملابسهم دائما.
والامر الوحيد الذي يذكر بالحياة خارج الجدران هو صورة للزعيم الشيعي
مقتدى الصدر الذي خاضت قواته قتالا ضد القوات الاجنبية.
ورغم المعاناة في داخل مباني المستشفى فان البعض قد وجد بعض الراحة
من خلال التعبير الفني.
وقفزت سيدة متقدمة في السن لتعرض لوحة
رسمتها بالوان مائية زاهية امام احد الزوار قائلة "لقد رسمت هذه
اللوحة.. الشمس في الصورة تشع حرية للجميع. وهذا الرجل يطعن وحشا
يمثل كافة متاعب الحياة."(رويترز)
|