تظهر العزيمة عند بعض الأفراد ظهوراً جلياً في أشد الظروف صعوبة
وتخفت أحياناً حتى درجة التلاشي في أيسر الظروف التي لا تتطلب أي
مجازفة إلا أن استيعاب كل حالة هو ما ينبغي التفتيش عنها عند هذا أو
ذاك من الناس.
ضمن خط الدفاع المشروع عن الحق الخاص أو الحق العام يتفرع ثمن
الدفاع عن الحق الشخصي أولاً للاستمرارية في الحياة التي وهبها الله
سبحانه وتعالى إلى عباده دون أي منّة، وبهذا الشأن يمكن قول الكثير عن
قصر النظر لمن أصبح عن طريق الصدفة أو اللاصدفة مالكاً لمصير الآخرين
مثل الحكام الذين فيهم الحاكم الإيجابي أو الحاكم السلبي وهناك نوع آخر
من التملك ليس للجانب الحكومي فيه يد مباشرة كتبعية أداء العمل لصالح
صاحب رأس المال سواء في المصانع أو المزارع أو المتاجر وما هو بين هذا
وذاك منها. حتى أن كل الأنواع الأخرى الاجتماعية في موضوع تابعية الشخص
كتابعيته لعائلته أو إحساسه بتابعيته لمجتمعه قد يجعله شيء من راحته أي
كان ذلك الشيء الذي يبذله سواء من ناحية وقته أو ماله أو جهده.
إن فطرة الإنسان الطبيعية تدفعه لتقبل نوع من التبعية المحببة
كتابعية الأبناء والبنات للأبوين فهذه تابعية غير مشروطة بسبب كونها
ترتكز على وشيجة إنسانية لذلك ومن وجهة نظر عمومية فإن في إحداث أي خلل
في العائلة لا بد وأن يكون هناك خرق للناموس العائلي قد أخذ دوره
السلبي وهنا فإن المحافظة على السمعة العائلية الطيبة تكون ضمن مبدأ لا
يستثنى أحد أفراد العائلة من الاستهانة به فمثلاً أن المسلك الاجتماعي
لأفراد العائلة لا يتلائم مع أي كيان عائلي يدعي حرصاً على التمسك
بالتقاليد والأعراف السائدة في المجتمع المعني بذات إيجابياته
الأخلاقية وليس بالعبور عليها.
ونمو الشخصية عند المرء حتى مرحلة التكامل الواعي لديه يشعر بأهمية
وجوده لأكثر فترة ممكنة من العمر ولكن ليس على حساب مبدئيته الإيجابية
والإنسانية إذ من المعتاد أن (حق الحياة) موضوع مشاع للجميع والذكي هو
الذي يعرف متى يكون عليه أن يضحي بنفسه ويدفع ثمن دفاعه عن حقه بالحياة
باختيار مفارقة الحياة إذا لم يكن هناك ما بقي له منها وهو في أداء
كامل واجبه لكون الموت لا يعني شيئاً عند المرء السوي المؤمن بالمعاد.
لذا ترى أن أكثر الشخصيات العظيمة في التاريخ قد ضحت بمصيرها
الدنيوي ولكنها لم تتنازل قيد أنملة عما كان يجيش في نفوسها من ضرورة
تجاوز الشأن الشخصي إلى الشأن المبدئي الذي لا يمكن أن يوضع إلا في
صدارة الموقع المعنوي الأعلى.
لا يمكن تحميل الإنسان أحياناً مناهضات الزمن عليه وتبقى السيرة
الذاتية هي أساس قوي في التقييم فكم من انتصار في المعارك اعتبر هزيمة
وكم هزيمة اعتبر فيها المنهزمون هم المنتصرون ففي معارك كربلاء التي
انتهت إلى استشهاد الإمام الحسين (عليه السلام) لم يلبث التاريخ إلا
وقال حكمه الأخير بأن الحسين (عليه السلام) هو المنتصر لأن مبدئيته هي
التي دفعته ليدفع ثمن نزالاته مع الأعداء الذين أدعوا الإسلام وهم كفار..
وهكذا الحال الذي ترجمته أحداث التاريخ السياسي العالمي أيضاً ودرس
ثورة العبيد في القرون الغابرة التي وقعت في أوروبا وقادها (سبارتكوس)
وهو الرجل الأمي الذي لا يعرف القراءة والكتابة وثار مع أصحابه القلة
من أجل انتزاع الحرية من مستعبديهم، فحين انتهى النزال إلى هزيمتهم
أمام قوات الإمبراطورية الرومانية المجيشة بآلاف الجنود المدججين
بالسلاح وكان مصير سبارتكوس وصحبه الموت المحتم حيث علق ما تبقى منهم
من الأسرى وبضمنهم سبارتكوس على المشانق بطريق عام في أحد البراري حتى
ماتوا من الجوع وحيث اعتقد قادة الرومان أنهم انتصروا على سبارتكوس
وجماعته قال التاريخ كلمته الأخيرة بتلك الحادثة أن باستشهاد سبارتكوس
وأصدقاءه قد ألقيت العبودية عنهم وهم المنتصرون لأنهم دفعوا ثمن الدفاع
عن حق الحياة الكريمة التي طالبوا بها ولم ينالوها. وها أن التاريخ قد
خلّد سبارتكوس وثورته واستنكر على الإمبراطورية الرومانية استعمال
قوتها الغاشمة التي سخرتها ضد عبيد اجتاحت نفوسهم مشاعر الطموح
للانعتاق الأبدي من الظلم.
وعود على بدء لا بد من امتلاك المرء السوي لرؤية يكون فيها تشخيص
الداء النفسي أو الاجتماعي دقيقاً ومن ثم تكون الخطوة التالية سهولة
معرفة توفير العلاج فالحياة بأسمى غاياتها لا تؤيد أن يعرف الإنسان
الخلل ويمشي إلى ما دون معايشة كيفية إزالته من أقصر الطرق التي يقرها
العقل والضمير.
وفي الحوار مع الذات والتأمل الثاقب للأمور وبامتلاك النظرة الراجحة
للأمور يقترب الإنسان من الغايات السامية للحياة أكثر وأكثر وهذا ما
يؤدي به أن يكون ميالاً للمعرفة أن رسالة الحياة هي غير رسالة العيش. |