شكلت بنية وطبيعة السلطة في كل مكان وزمان باعتبارها أهم أسباب
الرقي والتقدم أو الانحطاط والهمجية، إذا لم يكن السبب الرئيسي في ليس
فقط عدم قدرتها على المضي قدماً في طريق التقدم والتطور بل أحياناً
تصبح عربة تحمل ذاتها ومشروعها وحياتها وحياة مواطنيها إلى المزيد من
التدهور والانحطاط، وليس غريباً أو عجيباً أن تاريخ المجتمعات المسكونة
بالخوف والتخلف والقهر، والفقر والمرض هي تاريخ أمجاد فرسان فشلوا في
كل شيء ونجحوا في تمجيد شخوصهم، وكأن التاريخ لا يتسع لأكثر من فرد أو
مجموعة وهكذا الحاضر، لا زال التاريخ يلقي بكل ظلاله وكوارثه والأمة
لعدم قدرة البشر أن يعيدو نسيج حياتهم وتصوراتهم وفق منطق الحقائق التي
في جوهرها الإنسان في طباعه وسلوكه وفكره وعمله وطموحاته يشكل في نسق
اجتماعي – اقتصادي – ثقافي سياسي قوة الحاضر وهذا ما ينسحب في حاضرنا
على الكثير من الأدلة والاستنتاجات والقراءات على الصعيد الدولي، مركب
التغيير يقوده رجل (بوش) يقرر والشراكة المقبولة أو المطلوبة هو
المشاركة في تنفيذ القرار، وتأتي حجم المشاركة وأهميتها بقدر ما يستجيب
هذا الطرف أو ذاك لتلك السياسات، وثاني آفة تتعرض له العلاقات الدولية
لعبة التوازنات المؤسسة على المصالح القريبة والبعيدة، تعامل الدول
الصناعية على أساس فهمها للتاريخ والجغرافيا، بمنطق حكمة العرب، اليد
التي لا تستطيع أن تعضها، يفضل بوسها والدعاء لها بالكسر، تجاه
الولايات المتحدة ويقف وراء هذه الحكمة المصالح الأمنية والمباشرة
وخاصة إن ما وصف بالإرهاب قد أطال مجتمعاتهم والله أعلم من يقف ويساند
ويمول هذه العمليات لإجبار أوروبا على المزيد من الالتحاق بالسياسة
الأمريكية.
يعلمنا التاريخ أن الصهيونية العالمية المتحالفة مع رأس المال
الحربي، وراء كل جريمة صغيرة أو كبيرة على سطح المعمورة؟!! أما حال
العرب الذي ضجت كتبهم وتراثهم بالحكمة وتقدير الأمور للوصول إلى
الغايات المنشودة لم يحصدو سوى تعاقب حكومات فاسدة ومفرقة في فشلها،
لتقع تالياً في حبائل العلاقات الدولية، والتي هي في أكثرها معادية
ومضرة لمشروعها الوطني، باحثة عن وصفات إسعافية لإنقاذها من واقعها
الراهن، تحت مسميات اختيرت من الشرق والغرب، ومصطلحات من بطون كتب
الإصلاح والتغيير حيث تزعق صباح ومساء وفي كل الأوقات أن أي تغيير في
سلوكها وحركتها السكونية سيؤدي إلى المزيد من عدم الاستقرار، والفوضى،
وهذا ما يهدد السلم العالمي، والكوكب الذي نعيش عليه، والأشد غرابة
وعجباً من يصدقها، ويصدق كذبتها التاريخية، في غياب سؤال جوهري وأساسي،
من صنع الواقع الراهن، الأزمات التي تعصف بحياة مواطنيها والتي تراكمت
حتى أصبحت بين قوسين أو أدنى من حالة الانهيار الكامل، فبدلاً من صحة
علمية – عقلية – موضوعية تمارس فيها الحكومات العربية نقداً لمسؤوليتها
التاريخية، وتشرع في العمل وفق منطق التأثير والتأثير المتبادل، السبب
والنتيجة، وتبحث بحق عن أهم مفاعيل الخروج من الأزمات الشرط الوحيد هو
عدم خوفها وتوجسها من فقدان خيارها السياسي ونفوذها الاقتصادي؟
وسيطرتها وخاصة خوفها وذعرها من المستقبل؟ ونذكرها أن العرب من شيمتهم
العفو عند المقدرة؟ وخاصة عند الشعوب؟ لكن الجواب الشافي أن الحكومات
تخشى ما تخشاه أن يأت بديل على شاكلتها، وهنا الطامة الكبرى؟ من هنا
نقول أن الحكومات التي فشلت في تحقيق الحد الأدنى من وظيفتها
الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية أن تشرع في صياغة قوانين
طبعاً بعد إلغاء قوانين الطوارئ والأحكام العرفية حتى لا يستخدم ضدها
في وقت من الأوقات، وهذا ما تفعله أعظم الدول وأكبرها لعدم ملاحقة
الزعماء وضمان حياتهم، وهم قادرون على ذلك وما في حدا أحسن من حدا،
وهذه ظاهرة حضارية معترف بها، هذا بعض ما هو مسكوت عنه، ولا يجري البحث
فيه رغم أنه يشكل أحد أهم دوافع الإصلاح في عالمنا العربي الذي أشبع
بالخطط والبرامج والنصائح والمساعدات ومع ذلك عربة الانحطاط لازالت تكر
نحو المجهول ويا خوفي من القادم.
aboalibassab@gawab.com |