بحكم أن الإنسان كائن عاقل وعقله في نمو مستمر، وتطوّر مدهش من جيل
إلى آخر حيث ترى الفوارق الشاسعة في مستوى التفكير بين جيلين خصوصاً في
العصر الحالي حيث تترائى هذه الفوارق أكثر جلاءً من خلال التغييرات
الحاصلة والأنظمة الجديدة والرؤى المتفائلة في دم الجيل الشاب، ولا
يتوقف مسار التغيير بل في تقدم مستمر لا يمكن التكهن به حالياً. وهذه
السنة الكونية جارية في الأطفال أيضاً، إذ مفهوم الطفولة الآن غير ما
هو في السابق، وربما ما هو آتٍ يطوّر الموجود أو يدرسه ليأتي بالبديل
الأنسب في المستقبل، فقد تبدل مفهوم الطفولة إذ لم يعد الطفل فرداً
سلبياً، لا يعي الأمور وهو كلٌّ على أبويه، بل أصبح إنساناً فعالاً
يجاري الكبار في التفكير ومعالجة الأمور، بل ربما يستهزأ في قرارة نفسه
من تفكير بعض الكبار وضحالة استيعابهم، وعليه لا بد من معاملة الطفل
العصري معاملة تليق بمكانه وزمانه، واحترامه ومناقشته في أموره الخاصة
وأمور الحياة العائلية أيضاً.
ومن الدراسات المعاصرة: الروابط الوثيقة بين الوالدين تؤثر في تكوين
الأبناء، فتعاون الوالدين واتفاقهما والاحتفاظ بكيان الأسرة يخلق جواً
هادئاً ينشأ فيه الطفل نشأة متزنة.
وهذا الاتزان العائلي يترتب عليه غالباً إعطاء الطفل ثقة في نفسه
وثقة في العالم الذي يتعامل معه فيما بعد، وقد أثبتت الدراسات أن (75%)
من حالات الإجرام والتشرّد ترجع إلى انهيار الأسرة مما يدل أن تماسك
الأسرة له أثره القوي المباشر في سلوك الأبناء.
ومن مظاهر تفكك الأسرة مشاجرات الوالدين واختلافهما مما يجعل جوّ
المنزل ثقيلاً لا يطاق فيهرب منه الطفل إلى الشارع حيث يحتمل أن يبدأ
سلسلة من السلوك غير المرغوب فيه، وأحياناً يصب أحد الوالدين غضبه على
الطفل، وهذا يقلل ثقة الطفل في نفسه ويجعل ثقته معدومة فيمن يتصل بهم
في الحياة بعد ذلك.
وقد يحدث التفكك عن طريق الطلاق أو الانفصالات المؤقتة أو الدائمة
أو اضطرار الوالدين للعمل خارج المنزل لكسب العيش، ومن البديهي أنه
كلما قلت اختلافات الوالدين زادت صلاحية الجو العائلي لتربية الأبناء.
ومن العوائق التي تقف في طريق نمو الشخصية السوية للأبناء تفكك
الأسرة وعدم اهتمام أفرادها بعضهم بالبعض الآخر، وعدم اهتمام الأهل
وتساهلهم وعدم تكريس الوقت الكافي للاهتمام بالأبناء، وأعتبر علماء
النفس نماذج من الأبوين تؤدي إلى ارتباك شخصية الطفل أطلقوا عليها صفة
(المسبب للمرض) مثل الأم الموسوسة، المسترجلة، الحاقدة، المتطلبة،
والأب الغائب بحكم عمله أو لضعف شخصيته، الصارم، المتطلب للمثاليات،
القاسي. فهل يمكننا تلخيص هذه الدراسات بقول النبي الأكرم (صلى الله
عليه وآله وسلم).
(طوبا لوالدين أعانا ولدهما على برّهما.. ولعن الله والدين حملا
ولدهما على عقوقهما) إذ فيه إجمال المعاملة الحسنة بين الوالدين أولاً
حتى يتم إرساء أركان الاستقرار في البيت ففيه نصف المعاملة تجاه الطفل
حيث الاستقرار والتفاهم والمحبة والاحترام أجواء مربية في الحقيقة
والنصف الآخر بفهم نفسية الطفل وتلبية حاجاته المادية والمعنوية
والروحية والبدنية، والاهتمام به بشكل كاف دون أي نقص واحترامه وتقدير
مشاعره وتربيته تربية إيمانية واعية، فلا يجوز التقصير في أي جانب تجاه
الطفل.
فهذا هو محتوى البرّ للآباء من الأبناء كتعويض إنساني وأخلاقي
وإدخال السرور في قلبهما، فالمعاملة الإنسانية أجدى بكثير من تقديم
المعونات المادية على قلب الوالدين، فهذا هو المسار العام لقول النبي (صلى
الله عليه وآله وسلم) ولكن جهود العلماء العصريين أيضاً مشكورة في
البحث عن الجزئيات وتطبيق تلك الكليات على هذه الجزئيات ولا يخفى فوائد
تلك الكليات الواردة عن النبي والأئمة الطاهرين من أهل البيت (عليهم
السلام) ففيها الفائدة الغنية للأبحاث الحديثة واستخراج النتائج على
ضوئها وكسب الوقت. |