عن الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) (ما بُني بناء أحبّ إلى
الله تعالى من التزويج). (إذا جاءكم من ترضون خُلقه ودينه فزوجوه. قيل:
يا رسول الله وإن كان دنيئاً في نسبه؟ قال: إذا جاءكم من ترضون خلقه
ودينه فزوجوه. إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير).
إن الأساس المهم واللبنة الأولى في عملية بناء المجتمع الإنساني
الصالح هو الزواج، فهو ليس مجرد عملية يراد بها الحفاظ على النوع
البشري فحسب، وإنما هو أساس لبناء مجتمع أمثل، ينبع الكمال والفضيلة من
شتى جوانبه، مجتمع تنظم فيه العلاقات والغريزة الجنسية ضمن ضوابط وحدود
لا يجوز تجاوزها حفاظاً على الكرامة الإنسانية والقيم المثلى وابتعاداً
عن الشذوذ والانحراف المرفوض عقلائياً، مجتمع تملأ أرجاءه المحبة
والتعامل المنظم القائم على أساس المودة والتفاهم بين الزوجين وتقسيم
أعباء الحياة بينهما، ليقوم كل واحد منهما بوظيفته وليؤدي دوره المطلوب
منه في هذه الحياة ليتم السعادة لكننا نرى إحصاءات مرعبة في الطريق
الملتوي فما هو السبب؟
خلال الآونة الأخيرة الماضية أخذت ظاهرة الزواج العرفي تتداول في
المجتمعات والتجمعات المصرية والعربية على حد سواء، تلك الظاهرة التي
انتشرت بين شباب الجامعات منذ سنوات ليست ببعيدة. فعلى حدّ اعتراف فتاة
جامعية أشارت فيه: أنها لجأت إلى الزواج العرفي بعدما ضاقت ذرعاً برفض
أهلها لكم العرسان الذين تقدموا إليها من الباب بحجة أنهم دون المستوى
المادي أو الثقافي، فالمتهم في هذه القضية هم الأهل الذين يدفعون
أولادهم للزواج السري أو العرفي الذي سيحقق أحلامهم في الارتباط بفارس
الأحلام وفتاة الأحلام في غيبة عن الأهل الرافضين للزواج الرسمي بكل
ضماناته التي يكفلها للطرفين على حد سواء، وكم من مآسي تسبب فيها الأهل
لأبنائهم وبناتهم جراء دفعهم دفعاً للزواج العرفي، حالات عديدة وصلت
إلى أربعة آلاف حالة طبقاً لإحصاءات وقعت تحت تأثير الزواج العرفي هذا
في مصر لوحدها والله يعلم كم هي الحالات في بقية الدول الإسلامية.
منها: حالة الشابة حنان البالغة من العمر (21) عاماً، الطالبة في
كلية التجارة والتي أحبت الشاب شريف مع أوصافه التي أعجبتها وطلب منه
التقدم لخطبتها، والذي بدوره لم يمانع بل بادر فوراً ولكن الرد كان
مخيباً للأمل مع قائمة الأعذار والحجج الطويلة للرفض وما كان منهما إلا
تزوجا عرفياً بالسر واستأجر شقة متواضعة بمنطقة شعبية كانا يلتقيان
يومياً فيها، إلى أن حدث ذات يوم أن تهجم عليها ابن صاحب المنزل في
غيبة زوجها وراودها عن نفسها وهددها بأنه سيخبر أهلها بزواجها دون
علمهم وأنه أتى بعنوانها من خلال صورة البطاقة المسلمة إليهم وقت تحرير
عقد الإيجار.
وأمام تهديده لم تجد سوى أباجورة صغيرة كانت أمامها سددت له عدة
ضربات في وجهه مما أسفر عن تصفية عينه اليسرى، وفجأة ترى نفسها متهمة
بإحداث عاهة مستديمة لشاب في مقتبل حياته. فالقانون لا يعرف أنه راودها
عن نفسها ولكنه يعرف فقط أنها المسكينة مجرمة.
ومنها: حالة بنت اللواء والتي هي في العشرينات من عمرها والتي تزوجت
بعشيقها عرفياً حتى حين علم أبوها اللواء وأراد إجبار الشاب على طلاقها
لكنه رفض مما غضب وتناول مسدسه وأفرغه في صدر الشاب وأرداه قتيلاً وسجن
أهله وأخذ ابنته.
وكم من حالات مؤسفة أخرى وفضائح وطلاق بعد العلم بزواج الفتاة السري
فهذه حالات كان للأهل فيها دور كبير في لجوء الأبناء للزواج العرفي أو
السري، والمؤسف أن الأهل ضحايا معتقدات وأفكار بالية ما تزال مسيطرة
على عقول بعض الأسر، تلك المعتقدات التي تدفع بهم وبأبنائهم إلى الهلاك.
فما أجمل الركون إلى حكم الله ودينه الذي هو دين اليسر والسهولة
والسماح والسعادة وليس دين العسر والحرج والشقاء، فهذا نبيه الأكرم (صلى
الله عليه وآله وسلم) يصدح على مرأى الخلائق وأسماعهم: إذا جاءكم من
ترضون خلقه ودينه فزوجوه... وإلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير..)
وما أعظم تفعيل هذه الأحكام وإخراجها إلى حيز التطبيق، لتكون أساساً
حيوياً وحركياً بل عادةً ملازمة وخارقة في حياتنا تنير ظلم أيامنا. |