يستفزني الجعير في أكثر البرامج الفضائية، ويستفزني أكثر التفنن في
اختيار بعضهم للوقوف في وجهة الآخر تحت شعار الرأي والرأي الآخر،
وبينهما أحدهم تارة لسانه مع أحدهم وقلبه مع الآخر ولا يخفى سراً أن
بعض المحطات الفضائية وهي تستدرج شخصية مهمة وهامة بحسب وجهة نظرهم،
ترد لهم رسائل تطمينات على أنه لا يقاطع، ولا يتجاوز الخط الأحمر، ويجب
الالتزام بقواعد الحوار العقلاني الديمقرطي الخ.. والادهى من هذا وذاك
يتم اصطياد بعض المهتمين المتحمسين لهذه القضية أو تلك متناسين أو هم
متؤكدين للمثل الشائع كل شيء عند العرب صابون والمؤسف أكثر إن
الموضوعات والقضايا التي حقاً تحتاج إلى حوار ونقاش وتبادل الرأي يجري
استبعادها عبر اختطاف عنوانها أو إبراز جانب منها، أو التعامل مع أحد
جوانبها وبذكاء ودهاء يتم التحضير المسبق للتعامل مع النتائج دون
التوقف على الأسباب الحقيقية لهذا الجعير أو لهذا التفنن لنتوقف عند
صرعة الفضائيات العربية وأسباب وجودها؟ لنتسآل عن المبررات والظروف
التي حكمت خباراتها؟ إلى أي حد استطاعت هذه الفضائيات حقاً قدمت وستقدم
ما يعود بالنفع لعقل وقلب المتلقي أولاً والمتابع والمهتم للشؤون
العربية من بلاد الأرض الواسعة؟
ولا أخفيكم سراً بدأت الفضائيات العربية في جعيرها واستفزازها لدرجة
أنها استقطبت كمّ معقول من الناس لدرجة أن المواطن العادي أضاف إلى
قائمة مافيات تجارة الهوا تحضيراً وصناعة وتسويقاً وعندما أيقظه الواقع
المؤلم في كل التفاصيل شعر بخطورة هذه البرامج وناريتها وتشويقها
باعتبارها إضافة أخرى إلى قائمة خصوم وأعداء الأمة مصالحها وأهدافها؟
وليس ببعيد حتى تسمع أصوات هنا وهناك وخاصة من المثقفين والمفكرين
وأشباه المثقفين وأنا منهم أنا الفضائيات العربية قدمت خدمات جلية مع
استبعاد الفكر التآمري ليس للأعداء المباشرين للأمة القصد منه الكيان
الإسرائيلي ومشاريعه الأخطبوطية والسرطانية في جسد الأمة وعقلها، بل
عمدت هذه الفضائيات إلى القبول بتكريس الواقع العربي الراهن؟ والعمل
على المزيد من الشروخات وتقديم خلطة شبيهة ببعض المشعوذين للتخلص من
الكثير من الآلام، ليس ببعيد سيستنتج الكثيرين أن مساوئ بعض الفضائيات
للحال العربي هي أضخم وأكثر تأثيراً من كل فروع المخابرات العربية؟ ومن
كل حالات الاستبداد الشرقية؟ لقد تزامنت صعود ظاهرة الفضائيات حزمة
استحقاقات عربية وتشكل في التاريخ العربي والإسلامي منعطفات جد خطيرة
فماذا كانت تواجه الفضائيات العربية قضايا الأنوار والتنوير، والمثاقفة
وتشجيع الحوار وفضح ممارسات الكيان الصهيوني لخلق رأي عام طبعاً عربي
للقيام بهجمة واحدة ضد هذا الكيان وماذا كانت النتيجة، على كل الصعد
قفز هذا الكيان من نجاح إلى آخر في كل مشاريعه لنصل إلى نتيجة أن
الفضائيات العربية وسعت حدقة العين، لهول الحاضر وخطورة المستقبل، دأبت
الفضائيات العربية إلى محاولة تقديم برامج الإثارة، والتشويق ولكن
أغلبها من غير تأثير وإقناع ولو وجد في الوطن العربي بعض مراكز مقاييس
الرأي الحر، لقدمت استطلاعات الرأي أرقام مخجلة في مضمونها، وحاولت بعض
الفضائيات الاستفادة من الفضائيات الغربية، حيث فقدت خصائص حضورها فلا
هي نجحت في تقليدها ولا استطاعت أن تؤسس الخطاب ونهج وموضوع وفكر خاص
بها، وأخيراً أين الفضائيات العربية من كل التطورات المذهلة في ميادين
العلوم والبحوث، أين الفضائيات العربية من خطاب يتسم بالعقلانية
واحترام العقل وتأسيس استحقاقات العالم العربي من قضايا التسامح والعدل
واللاعنف والديمقراطية، خاصة في ملامسة الواقع العربي الراهن، لقد آن
الأوان وثمة تجارب اختزلت وضعت الفضائيات لنفسها أن الكلمة هي أقوى
تأثير من أي سلاح آخر وهذا صحيح عندما تكون الكلمة لها طعم ولون ورائحة
وهدف لا لغواً مثلما نرى ونسمع.
aboalibassam@gawab.com |