منذ إعلان سقوط حكم الصنم الصدامي السياسي في العراق عكفت هيئة
الأمم المتحدة على متابعة ومواكبة الأحداث في العراق ولعل من أهم
الأعمال التي قامت به بصورة سريعة هو إعلانها عن تأسيس صندوق لتمويل
عمليات إعمار العراق ومساعدة المجتمع العراقي كي يجتاز محنته التي أخذت
شكلاً آخر بعد تغيير النظام في العراق.
أن العراق ومنذ سقوط النظام الصدامي وفريقه السياسي المشبوه يمر
بعاصفة سياسية مازال الشعب العراقي يدفع ثمن تهوراتها المفروضة داخل
العراق والأمم المتحدة التي أبدت تحفظاً أكثر من مرة وأعربت عن
استعدادها للعب دور أكثر جدية لتحسين الأوضاع العراقية على وجه العموم
شرط أن يقترن ذلك بتحسن الوضع الأمني الذي مازال خارج إرادة العراقيين
إلا أن الخط العام في المجتمع العراقي يقر أن الأوضاع الداخلية رغم كل
ما تسببه التفجيرات التي يقوم بها مرتزقة العربان ممن محسوبون على
العراق أو على البلاد العربية الشقيقة من مآسي.
لقد كثرت التكهنات عن الدور الممكن أن تلعبه الأمم المتحدة بفاعلية
في العراق وتفرض فيه الكثير من الأمور لصالح المجتمع العراقي لكن بعض
التصريحات الرسمية الصادرة عن بعض الأشخاص والجهات السياسية العاملة في
الهيئة الدولية ذات الصلة بمواكبة أحداث العالم الساخنة لا يروق لها
الاعتراف بأن للهيئة الدولية بحسب نظامها المعلن إمكانية لعب دور حاسم
أحياناً لو توفرت القناعة أكثر في التدخل الدولي أو التشجيع عليه عبر
قرار يصدره مجلس الأمن فيها.
ومن هنا فإن واجهة الأمم المتحدة ينبغي أن تكون مساندة فعلية لحقوق
الشعوب فمثلاً أن فكرة مشاركة قوة سلام عربية في العراق ضمن القوات
الدولية المقترح أن تساهم في استتباب الوضع الأمني داخل العراق بحسبما
تم طرحه قبل اشهر لم تكن الهيئة الدولية قد أبدت حرصاً أخيراً حول
ضرورة أدائها لمثل هذا الدور بمشاركة عربية ودولية بآن واحد.. على
الرغم من أن بعض القيادات العربية في العالم العربي أبدت تحفظاً بهذا
الشأن كـ(مصر) وهذا ما تسبب بالإبقاء على المتاعب الأمنية الطويلة داخل
العراق وحتى الآن.
من ناحية ذات صلة فإن الصناديق المالية العربية لم تبدي ذاك الحماس
الذي أعربت عنه لمساعدة العراق على استعادة عافيته عند الأيام الأولى
التي تلت سقوط نظام الصنم الصدامي والخنوع المخزي لفريقه السياسي للوضع
الجديد حيث دخلت القوات الأنكلو – أمريكية البلاد دون أي مقاومة تذكر
مع أن التصريحات العنترية للنظام الصدامي قبل الاحتلال البريطاني –
الأمريكي للعراق كانت في مرحلة الأوج ولدرجة بات يقيناً أن تنظيم
الهجمات الانتحارية وتفجير السيارات المفخخة بأنها من أعمال مرتزقة
العربان وأن المشاركين فيها من المحسوبين على العراق قلة ضيئلة وهذا ما
يتناقض مع كون حزب السلطة المنهارة كان يضم بين صفوفه ملايين الأعضاء (قيادات
وقواعد) لكن ما يبدو أن تربية هؤلاء على واقع الارتزاق السياسي قد
جعلهم يستغنوا عن مبادئ كان النظام السابق وتنظيمه السياسي الفاشل
يدعيها لغرض الدعاية.
واليوم حين يواجه الشعب العراقي ما يطلق عليه اسم (المقاومة) بصدور
رعاية ولا يتوانا أولئك المقاومين عن إلحاق عقوبة الموت بالعراقيين دون
تمييز بين طفل وامرأة وشيخ بحجة محاربة المحتلين فأن سؤالاً شرعياً
يمكن إثارته وهو: لماذا لم يأتي هؤلاء العربان إلى العراق ويقوموا
بأعمال مماثلة ضد حكم صدام الذي كان معروفاً جيداً لدى الرأي العربي
بأنه نظام معادٍ للشعب العراقي.
إن بعض السفارات الأجنبية في العراق كالسفارة الفرنسية ببغداد قد
عزلت مبناها الواقع وسط العاصمة العراقية بجدار من الأسمنت علوه ثلاثة
أمتار ويمتد لزهاء (70) متراً تحسباً من أي هجمات إرهابية محتملة ويبدو
من بعض المعطيات أن هيئة الأمم المتحدة ما تزال تنظر لأمر مشاركتها في
إزالة بعض آثار الأزمة الداخلية العراقية باعتبارها أزمة تخص شعب يباد
أن تكون أكثر حرصاً لتلافي ما يمكن تلافيه إذ أن تلكؤ هيئة الأمم
المتحدة بهذا المجال قد شجع على اتساع مساحة الإرهاب في العراق من حيث
يدري مسؤولوها أو لا يدرون.
إن على الهيئة الدولية أن يكون لها حضوراً شاملاً ومنوع الجهود في
العراق على الأقل خلال فترة الستة أشهر القادمة وهي عمر الوزارة
المؤقتة في العراق حالياً والرأي العام العراقي والعربي والعالمي مازال
يتطلع إلى مزيد من التعاطف مع قضية الشعب العراقي في وقت فقدت على بلده
السيطرة وأن الهيئة الدولية المتمثلة بالأمم المتحدة ممكن أن تعمل
الكثير لأجل استتباب الأمن في العراق وإعادة مجمل أوضاعه إلى جادة
العلاقات الدولية بصورة أكثر فاعلية. |