لا يوجد شيء ثابت في هذا العالم، كل شيء يتغير بسرعة كبيرة، والثابت
الوحيد هو التغير، ففي غمرة المتغيرات في عالم اليوم لا يمكننا تحديد
الثقافات بحدود ضابطة وإثبات عالميتها وتكاملها، لتيقننا أن مؤسسات
كالدولة أو الأسرة وكذلك الطبقات الاجتماعية والعرقية قائمة في صيرورة
إعادة تشكلها وبناء علاقاتها الجديدة، فلم تعد هذه وحدات مناسبة لتحليل
العلاقة بين الثقافة والمجتمع، إذ لم تعد الثقافة السائدة اليوم تحتاج
إليها، لا كمنتج لها ولا كمعبر عنها، لأنها ثقافة مندفعة نحو تجاوزه
الهويات الاجتماعية.
إنها الثقافة المعولمة وهي الثقافة المفتتة، والأكثر من ذلك أنها
مجال واسع للتشغيل وقابلة للتفرع بلا نهاية، إضافة إلى ذلك كله لها
إمكانية إغراء الفرد – وهو مسترخ في بيته – بأن يختار من (المينيو)
العالمي للثقافة ما يشاء في كل المجالات، مع إيهامه بأن ما يختاره هو
ثقافة له، يمكنه أن يتميز بها، كما في برامج المسابقات والأسئلة الغبية
التي من يجيب عليها يكافأ بجائزة أمام الجمهور مع تصفيق حار وبث مباشر
على الفضائيات.
هكذا يجد الإنسان نفسه ومع الحركات الاجتماعية، في حضرة ثقافة سائدة
بلا مثقفين، مجردة تعميماً أو تفتيتاً، تحمل أفكاراً بلا فكر دلالاتها
معلقة، بلا مرجعية، ولأنها كذلك فهي يمكن أن تنشر مفاهيم مجتمع بلا بشر،
ومجتمع مدني بلا مدنية، وحقوق إنسان بلا إنسانية.
هذه الثقافة التي فقدت أصولها الاجتماعية هي ثقافة العابر، هي أساساً
ثقافة المتخيل، ثقافة غير الواقع الذي لم يعد فيه ربط ممكن بين الذات
والموضوع.
هي ثقافة (الناس جميعاً) أي ثقافة لا أحد.
ولكن ثمة أمل في العقل الإنساني والذي يجب عليه حسم الأمور والبحث
عن بديل أنسب لمركزية الثقافات ورد الاعتبار للعقل الإنساني وقدرته في
الخروج من الأزمات.
والإنصاف يحملنا على الاعتراف بأن للإسلام وسطية مشهودة عل مرّ
التاريخ والواقع دليل على ذلك حيث هو نظام قائم على العدل والمساواة في
جميع أحكامه والثقافة الإسلامية لها مؤهلاتها العالمية للمركزية
والمحورية التي تستطيع ضبط العقل والنفس والغرائز والشهوات وتحريض
مواهب الإبداع في الإنسان.
والشاهد على ذلك في أرض الواقع الشعب العراقي وما جرى من الأحداث
المتوالية على الشعب الصامد بل والمؤلمة في معظم الأحيان منذ ما قبل
عهد صدام حسين وفي فترة صدام وما فعله بهذا الشعب من حرمانهم حتى من
التعليم والتثقف وبعد ذلك الاجتياح الأمريكي البريطاني والذي كان
توقعات العالم أن يحصل حروب أهلية وطائفية في العراق حيث كثرة الأحزاب
والطوائف والأعراق ولكن الجذور الإسلامية والوعي الديني لذلك الشعب وقف
حائلاً دون الفوضى والاضطرابات، بل وقف الشعب بجميع طوائفهم مع علمائهم
وقفة عز وشموخ ونقاوة وكبرياء، ولم يلجأو للعنف مع كثرة المحرضات
والأيادي الأجنبية والدسائس الاستعمارية لخلق حالة الخوف والاستهتار.
فهذه البقية من الثقافة الإسلامية لهذا الشعب العظيم قد أفادتهم في
حفظ بلادهم من الطامعين وتماسك اللحمة الوطنية والأخوة الإنسانية فيما
بينهم فعلى العلماء في العراق وخارجها وعلى المثقفين أن يعمقوا في
دراسة هذه الثقافة وأن يواظبوا على نشرها وتنويعها واستخدام الأساليب
الحديثة في سبيل عراق جديد، رائد في الثقافات وتنوعها مع احترام جميع
الأطراف، ومن أهم خصائص الفكر الإسلامي: الجمع بين الثبات والتطوير.
والجمع بين المصلحتين الخاصة والعامة وكذلك الجمع بين المصالح
المادية والحاجات الروحية فهذا المزيج كفيل بتغطية جميع حاجات الإنسان
وحل كل مشاكله. |