عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم):
(إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق).
عندما نلاحظ أن الأخلاق توجد حيث توجد اعتبارات الأردأ والأفضل، كان
علينا أن نلاحظ أن الأخلاق عملية مستمرة وليست إنجازاً ثابتاً كما هو
معلوم أولاً من عملية الإتمام التكاملية فالأخلاق تعني نمو السلوك في
المعنى، وهي تعني على الأقل ذلك النوع من اتساع المعنى الذي يترتب على
ملاحظة الظروف ونتيجة السلوك، فالأخلاق والنمو شيء واحد.
فالتنمية والنمو هما نفس الحقيقة عندما تمتد في الواقع أو عندما
يفحصها التفكير. وفي أعظم معنىً لهذه الكلمة: الأخلاق هي التربية، إذ
هي تعلمنا معنى ما نستهدفه، واستعمال هذا المعنى في العمل.
نمو العمل الحاضر في المعنى – على اختلاف درجاته واتساعه – هو الخير
الوحيد الذي نستطيع السيطرة عليه، والوحيد كذلك الذي نتحمل مسئوليته،
أما الباقي فضربة حظ وقدر، والنشاط الحاضر لا يكون في النهاية سلاحاً
ضيقاً، فالحاضر معقد، يتضمن عدداً كبيراً من العادات والدوافع.
وهو مستمر وهو المجرى الذي يسلكه العمل، وهو عملية تتضمن الذاكرة
والملاحظة والتنبؤ والسير إلى الأمام مع نظرة إلى الوراء ونظرة إلى
الخارج.
وهو لحظة أخلاقية لأنه فترة انتقال نحو اتساع العمل ووضوحه، أو نحو
التفاهة والاضطراب، فالتقدم هو إعادة تكوين الحاضر الذي يضفي على
المعنى وضوحاً وكمالاً، أما التقهقر فهو هروب في الوقت الحاضر من
المغزى والتصميم والفهم، والذين يقولون بأن التقدم لا يمكن إدراكه
وقياسه إلا بالرجوع إلى هدف بعيد، إنما يخطئون بين المعنى والمسافة ثم
يعاملون الموقف الاتساعي على أنه مطلق، يحد من الحركة بدلاً من أن
تحدده الحركة. وهناك عدد كبير من العناصر السلبية، التي ترجع إلى
الصراع والتعويق والغموض في معظم مواقف الحياة، ونحن لا نحتاج إلى
إلهام كامل سام ليخبرنا عما إذا كنا نسير إلى الأمام أم لا في تصحيحنا
للحاضر، فننتقل من الأردأ لنندمج في الأفضل، لا أن نتجه إليه فحسب، هذا
الأفضل الذي تثبت صحته، لا بمقارنته بما هو أجنبي، ولكن بما هو مألوف.
وما لم يكن التقدم إعادة بناء للحاضر فلا يكون شيئاً، وإذا لم يكن
التعرف عليه بصفات تنسب إلى حركة الانتقال لا يمكن الحكم عليه.
كما هناك توجيهات كثيرة في الآداب الإسلامية على الأخلاق الحسنة
وتزكية النفس وإنماء الأخلاق العالية وقهر النفس عن عاداتها السيئة
وذلك بالمجاهدة والتعويد على تحمل المشاق في سبيل ذلك.
فعن الإمام علي (عليه السلام) إن أفضل الناس عند الله: من أحيا عقله،
وأمات شهوته، وأتعب نفسه لصلاح آخرته).
(وعند تعاقب الشدائد تظهر فضائل الإنسان..)
فالرياضة النفسية والتمرينات الخُلُقية من أشق الرياضات وأصعبها
وكبح جماح النفس لمن العزائم وهو الجهاد الأكبر. |